الأحد، 22 مارس 2009

عمارة يعقوبيان .... وعصر العمل المصنوع ...علي الطريقة الامريكية

كلما تحدث الكثيرون عن ارقام توزيع رواية " عمارة يعقوبيان " التي تجاوزت المليون نسخة , وعن نجاحها الذي دفع شركة انتاج عملاقة لاختيارها لتنفق عليها ميزانية ضخمة لتحويلها لفيلم سينمائي , ثم بعدها مباشرة تم تحويلها لمسلسل تلفزيوني عرض في شهر رمضان ... ولم يتبق سوي ان توضع في مناهج التعليم ليتم تدريسها لطلبة المدارس , كلما ذكر ذلك ... كلما ادركت أن سر النجاح يرتبط دائما بمدي الالتزام بالخلطة الامريكية الحريفة ... سواء في كوب المياه الغازية العملاق ... او في مطاعم الوجبات السريعة ... بل وحتي في الادب ( وهذا صار مؤخرا ).
تبدأ الرواية بداية صاخبة بوصف احدث العلاقات الجنسية للمهندس / زكي بك الدسوقي ... سليل الاسرة الوفدية العريقة الذي يقع مكتبه الهندسي في عمارة يعقوبيان , وتعرج الرواية بوصف تاريخ العمارة الواقعة في شارع سليمان باشا منذ انشائها علي يد صاحبها هاجوب يعقوبيان عميد الجالية الارمينية في عام 1934 , و كيف كانت تحفة معمارية عند انشائها ومسكنا لعلية القوم ... ثم تحولها سكنا لطبقة السادة الجدد بعد قيام ثورة يوليو , وكيف ان السكان الجدد قد غيروا في طبيعة العمارة وطبيعة الجو الراقي والارستقراطي لها , ...طبعا لايفوتك الغمز بمسئولية الثورة عن التحول الذي اصاب مصر ( ممثلة في العمارة ) بذهاب بهائها وجمالها وظهور طبقة سوقية جديدة ( حسب نظر المؤلف ) هي التي تحكم .
تقلب صفحات الرواية لتنقلك من النقيض للنقيض ... من " زكي بك الدسوقي " وطبيعة حياته المفعمة بالترف والدعة ... الي حياة " طه الشاذلي " ابن " بواب العمارة " وكيف انه استطاع ان يزاوج بين مساعدته لابيه ... وتفوقه ونبوغه في الدراسة ... ثم كيف انه اختزل كل رغبته في التخلص من ذل الحاجة واحساسه بالنقص في حلمه بأن يلتحق بكلية الشرطة ... ثم تعطيك الرواية لمحة عن مدي حبه وعشقه لجارته بثينة ...ذلك الحب الذي نما وترعرع منذ نعومة اظافرهما .
تستمر الرواية محاولة الاحتفاظ بنفس سخونة الطعام الدليفري الملفوف بورق " الفويل " وتعرج علي لمحات من حياة " ابسخرون " الساعي بمكتب " زكي بك " .. واخيه الترزي " ملاك " ... ومنها لوصف تاريخ تطور حانات وبارات وسط البلد ... وطبعا لا يوجد احسن من جو الحانات لتلقي الضوء علي " حاتم رشيد " الصحفي اللامع والشاذ جنسيا واخر علاقاته بالمجند الصعيدي " عبد ربه " ... وطبعا لابد من التعريف بمجتمع الشواذ وعاداتهم ومصطلحاتهم ... وتستبد الرغبة بالرواية في اضافة التوابل الحريفة للاحداث ... فتعود لقصة " بثينة " حبيبة " طه " وكيف ان الظروف المادية السيئة لاسرتها - بعد وفاة والدها - تدفعها للعمل ... ثم التردي بعد ذلك في علاقة اثمة مع صاحب المحل ... كل هذا من المقبلات ... لتدخل وبعنف علي الشخصية التي ستشدك للرواية ... ليس لثرائها الدرامي ولا لتصاعدها مع الاحداث ... ولكن لانها تدغدغ مشاعر القارئ نظرا لقربها الشديد لعالم الواقع .... واقصد شخصية " محمد عزام " رجل الاعمال الثري جدا والفاسد جدا ... والذي تستبد به رغبتان اولهما جنسية ... ويتغلب عليها بزواج شرعي مشروط ... والاخري سلطوية وهي الانضمام لمجلس الشعب ... وهنا تخطو الرواية خطوتين واسعتين بتقديم شخصية " كمال الفولي " السياسي العتيد و الفاسد ... اولي الخطوات بالابتعاد عن القالب القصص والاقتراب جدا من عالم الواقع ... ثاني الخطوات تجاه قلب ووجدان القارئ حيث ان الشخصية هي نسخة كربونية من سياسي فعلي يكن له اغلب المصريين " وقت صدور الرواية " كراهية شديدة .... وكما قلت سابقا ... ان الرواية كل حين واخر لابد ان تفاجئك بحدث او شخصية تمثل تلك النيران التي يصطنعها الطباخ المتميز بالمطاعم ليشد انتباه الرواد ... وليضفي مذاقه الخاص علي الطعام الذي يصنعه .
تستمر الرواية علي هذا المنوال تنتقل بك باسلوب القفلات ...بين شخصيات الرواية ...مع وصف مسهب للتفاصيل ...فمن علاقة " زكي بك الدسوقي " المتوترة مع اخته " دولت " التي تنتهي بطرده من الشقة ... الي علاقة المصلحة الوليدة بين " محمد عزام " و " كمال الفولي " ... الي احساس " طه الشاذلي " بالضياع في عالم الجامعة بعد التحاقه بكلية " الاقتصاد والعلوم السياسية " ... وتتسال وانت تقراء ...اين نقطة الالتقاء بين الشخصيات فها هو اكثر من ثلث الرواية قد انقضي في التعريف بشخصيات الرواية فأين ما يجمعهم ... ولكنك شيئا فشيئا تدرك اللعبة .... فلا يوجد اي رابط عضوي بين الشخصيات ... سوي ارتباطها الباهت بطريقة او بأخري بعمارة يعقوبيان ... واقصد بالرابط العضوي ذلك الشئ الذي تتفاعل حوله الاحداث لتصل للذروة .... ولكن لايوجد شئ من هذا القبيل في الرواية ... فقط مجموعة شخصيات ... يتم وصف كل منها بادق التفاصيل والمشهيات للقارئ فمن العلاقات الجنسية ومجتمع بشوات ما قبل الثورة ... الي مجتمع رجال الاعمال وفسادهم الا متناهي ... الي عالم الفساد السياسي .... ومنهما الي اللغة الصادمة لمجتمع الشواذ ... الي عالم المهمشين .... والمظلومين .... تنتقل بك الاحداث بين تلك العوالم بالتوازي .... وتتسأل هل الفن القصصي هو فن السرد فقط ؟
طبعا بقية الاحداث معروفة سواء من قراءة الرواية او مشاهدتها علي شاشة السينما .... ولكن ما يعنيني هنا ... انني اذ افكر في مدي النجاح الذي تحقق للرواية ...لا اجد سوي ما ذكرته عن سر الخلطة الحريفة لمطاعم الوجبات السريعة الامريكية المنشأ .... فالجميع صغار وكبار ... شباب وشابات .... مثقفين و غير مثقفين يحبون تناول الطعام بمطاعم الوجبات السريعة بين حين واخر .... كما ان الرواية تحتفظ بميزة اخري .... وهي انها تغازل الجميع ... تغازل طبقة الارستقراطيين .... بتذكيرهم ... بمجدهم قبل الثورة ... وكيف ان البلد كانت احسن حالا عندما كانوا هم الذين في صدر الصورة ... وكيف ان البلد تحولت الي " مسخ " علي ايدي الذين قاموا بالثورة عليهم .... كما انها تنفس عن الغضب المكبوت في صدور عامة الشعب وتنتقم لهم من احدي الشخصيات الكريهة ... اذ تظهره بالوجة الذي يحب ان يراه عامة القراء وهو المرتشي الفاسد , كما انها تدغدغ مشاعر البعض بالنهاية السعيدة نوعا ما بزواج " زكي بك " من " بثينة " , وكان سبقها مشهدا ذو مذاق حريف اخر يتمثل في اخذ " طه الشاذلي " بثأره من الضابط الذي هتك عرضه .
قلنا ان الرواية - حسب فهمي لها - تسرد التغيرات التي حدثت في مصر خلال 70 عاما من خلال عمارة يعقوبيان .... حسنا ...فهذا قالب قصصي معروف وشهير ... ولكن تطل عليك العديد من التساؤلات .... اذا اعتبرنا ان هذة هي مصر .... فاين الطبقة الوسطي ؟ ... ان العمارة قد جمعت بين الطبقتين الثرية ( سواء الغنية بالميراث او الغنية بالفساد ) والفقيرة المهمشة ... ولكن اين الكتلة الحرجة ...الطبقة الوسطي ... تلك الطبقة التي تمثل صمام الامان لاي مجتمع والتي يخرج منها المبدعون والعلماء والبيروقراطية الحاكمة ... هذة الطبقة مختفية تماما من الرواية .... لماذا ؟ هل لان اي شخصية منها ...تماثل الاكلات المصرية الصميمة التي تحتاج الي جهد بالغ في تحضيرها ... وبراعة شديدة في انضاجها .... كما انها لاتحتوي علي ذلك المذاق الحريف الذي تصر الرواية علي اضفائه علي شخصياتها ... سواء الثرية منها ... او المهمشة ؟
ما ينطبق علي التساؤل عن الطبقة الوسطي ... يتصل بسؤال اخر ... اين الشخصية الايجابية في تلك القصة ؟ هل مصر او العمارة ايهما - حسب تذوقك للامر - خلت من اي شخصية ايجابية ... اعرف ان العمل الروائي ليس منبرا للوعظ ... ولكنه ايضا ليس لوحة بالغة السواد تخلو من اي نقطة ضوء او نموذج ايجابي .... إن اي مجتمع لا يستطيع احد ان يزعم انه قد انقسم الي طائفتين فقط ...طائفة السادة الذين يسكنون العمارة.... والخدم الذي يقطنون سطوح العمارة ... إن هذا هو الاستقطاب الذي لا يستقيم لعمل روائي تكريسه وابرازه .... فالحياة ليست ابيضا واسود .... بل مختلف الالوان والاطياف .... ولكن تذكر ... ان منطق مطاعم الوجبات السريعة هو الحاكم ... فلا مجال لشخصية تخل و تهدم هذا المنطق القائم علي العديد من المقبلات والمشهيات مما لا يتسق مع شخصية ايجابية تكون موجودة وسط هذا الخضم من الشخصيات المنحرفة سواء المنحرفة بفعل التنشئة او بفعل ضغط الظروف.
ما الهدف من اي عمل روائي ؟ هل السرد و تزجية الوقت ؟ ام رصد الاماكن و تطورها عبر الزمن ؟ ام اختيار بعض النجوم والاحداث الملفتة بالصحف ونسج بعض الشخصيات ليقوم القاص بعرض رايه الشخصي في الاحداث علي لسان الابطال ؟ ...تبدو لي الرواية وكأن هذا هو ما ينطبق عليه ... فبعيدا عن حرفية رسم الشخصيات وتطعيمها بالخلطة الحريفة التي تجعلها محببة للقارئ ... تبدو الرواية وكانها مجموهة تحقيقات صحفية ... تم جمعها في كتاب .... وهو فن صحفي معروف ...ان تختار شخصية ...لتسرد من خلالها وقائع اقتصادية او اجتماعية .. هذا بالضبط ما ينطبق علي الرواية ... مجموعة اراء للروائي تم الباسها مجموعة من الثياب لتقول كل واحدة رايها في الظرف الراهن عند تاليف الرواية .
هل الرواية ... اي رواية ؟ مجرد تجسيد للواقع ؟ ام لابد من خيال الفنان ولمسته بها ؟ ان رواية " عمارة يعقوبيان " اقتربت بشدة من عالم الواقع ... ويمكن لاي شخص ..من العامة ان يعدد لك شخوص الرواية ... واسماء المقابلين لهم في عالم الواقع .... وهذة نقطة ضعف كبيرة بالرواية ... حتي وإن حققت لها انتشارا واسعا وشعبية كبيرة .... فهل يستطيع احد ان يجاوبني ... اين ذهبت جاذبية شخصية " كمال الفولي " بالرواية ... بعد ازاحته من المشهد السياسي الواقعي ... مما جعل الناس يتعاطفون معه كعادتنا في مجتمعنا المصري الطيب ؟
نقطتان اخيرتان ... تتعلقان بالبناء الدرامي للرواية اولاهما تتعلق بكيفية رسم الشخصيات بالرواية حيث أن معظم الشخصيات لا تبدو عليها معالم الصراع التي تراها باي عمل روائي اخر ... وهذا يرجع لما ذكرته مسبقا بانه لا يوجد تصاعد للاحداث .. وإنما فقط سرد لها .... كما ان كل شخصية مستسلمة لمصيرها الذي تستطيع ان تتنبأ به منذ بدايات الرواية ... " طه " فقد مستقبله ومحكوم عليه بالضياع منذ ان تم رفض قبوله بكليه الشرطة .... الصحفي الشاذ .. لابد وان تكون نهايته مأساوية بمقدار شناعة فعله ... اسال اي محقق يقول لك مقولة معروفة عن مجتمع الشواذ .... " شاذ اليوم ... قتيل او قاتل الغد " ... ورجل الاعمال الفاسد ... لابد ان تزدهر اعماله في مناخ فاسد ... حتي ما تم تقديمه علي اساس انه نهاية سعيدة " لبثينة " و " زكي بك " يمثل اعتي درجات الفشل واللامعقول .... والا ماذا تسمي زواج فتاه علي اعتاب العشرينات برجل يفوق والدها المتوفي سنا ... هل هذا ابلغ نجاح ...استطاعت ان تبثه الروواية بنا ؟ ..... شخصيات كلها تتحرك كما لو كانت تتحرك في مأساة اغريقية ... نحو مصيرها المحتوم ... لا يوجد امل ... لا يوجد صراع ... لا يوجد ما يجعلك تتفاعل معه .... ولكن منذ متي تهتم مطاعم الـ " junk foods " بالفائدة الغذائية للطعام المقدم ... يكفي الطعم الحريف المحبب ... لقطاعات عريضة من الاذواق .
ثاني المآخذ علي البناء الدرامي للاحداث تلك الثغرة الواضحة والغير مقبولة علي الصعيد الدرامي لأي عمل روائي ... واقصد به ان الرؤية مختلطة وغير واضحة للشخصيات التي يتم طرحها .... فالسرد لخلفيات جميع الشخصيات يجعلك متقبلا ومتسامحا مع ما يرتكبونه من اخطاء ... فالشاذ معذور لان والده وامه كانوا منشغلين عنه ...مما ادي لاقترانه في علاقة مع الخادم النوبي , والمتطرف الارهابي معذور لان الدولة خذلته عندما هدمت حلمه في الالتحاق بكلية الشرطة , ثم كان الخذلان الاخر بهجر حبيبته له ... ثم كانت الطامة الكبري بهتك عرضه اثناء اعتقاله , وسليل الاسرة الارستقراطية تتعاطف معه لان قيام الثورة اطاح باحلامه وبمستقبله المبشر , البنت التي تبيع شرفها معذورة لانها وجدت نفسها يتيمة وتحت ضغط الحاجة تنحرف , هلما جرا ...ما هذا الخلط.... إن كل الشخصيات كان من الممكن ان تسلك مسلكا اخر تنئو فيه بنفسها عن الوقوع في الحضيض الذي استسلمت له ..... إن التسامح فضيلة بشرية ... ولكن يجب ان يستعمل في محله ... والا صارت الدنيا غابة ... يرتكب كل شخص ما يحلو له من آثام ثم نجد له المبرر .

الأربعاء، 18 مارس 2009

عرض للروايات المشاركة في الاستفتاء ( اولا : عرس الزين )

عندما هممت بوضع اسماء للاعمال الادبية لاختيار احداها لمناقشته والتحاور حوله تجاذبني اتجاهيان اولهما هل اضع اعمال ذات سيط عالي وانتشار واسع ؟ ام اضع اعمال ذات قيمة ادبية وابداعية عالية ؟ ولم استطع ان احسم الاختيار تماما فحاولت ان اوفق بينهما بوضع اعمال ذات قيمة ادبية وابداعية وفي نفس الوقت ذات شهرة معقولة في اوساط الشباب , ولكن الذي لم استطيع ان افعله هو ان ازيح تلك الرواية الرائعة عن الوجود في قائمة الاختيار رغم علمي ان الكثير لم يسمعوا بها ... واقصد رواية " عرس الزين " للاديب والروائي السوداني " الطيب صالح " ... وانا لم اضعها معاندة للقراء ... او محاولة لفرض رأيي علي الاستفتاء ... ولكني وضعتها محاولا ان الفت النظر لتلك الرواية الجميلة الحالمة التي ذكرتني احداثها الجميلة بمقطوعة " الراعي الوحيد " للعازف " زمفير" ... وحتي لا تظنوا اني ابالغ في اعجابي بتلك الرواية اقرأوا معي ما كتبه المفكر الكبير وعالم الاجتماع الاستاذ/ جلال امين في كتابه " كتب لها تاريخ " تحت عنوان " الطيب صالح .... عرس الزين " ... كتب يقول ... " من اجمل الكتب التي قرأتها " عرس الزين " للطيب صالح , وهي رواية قصيرة لايزيد حجمها عن مائة صفحة من الحجم الصغير , قراتها لاول مرة في اوائل السبعينات اي منذ نحو ربع قرن , ثم اعدت قراءتها منذ ايام لاتاكد من استحقاقها لهذا الحكم , فاحببتها في المرتين حبا شديدا , وكنت اول مرة قد اخذت اذكرها لكل من اقابله وكأني اكتشفت درة من الدرر , ورحت هذة المرة اتاكد من ان كل من اعرفهم , من المهتمين بالامر قد قرأوها , واتعجب من امر من لم يقرأها حتي الان .... "
والرواية .. " لمن لم يقرأها " تبدا مباشرة بإلقائك في اتون الاحداث ...حيث ينتشر خبر ارتباط " الزين " في القرية انتشار النار في الهشيم وتجد الجميع يتناقل جملة " الزين داير يعرس !!... " بكل دهشة واستغراب ..... مما يجعلك تتسأل في استعجاب ... من هو الزين ؟ ولماذا يعتبر " تعريسه " او زواجه خبرا مهما في القرية ؟ ... وبين سطور القصة لاتستطيع ان تمنع نفسك من الرغبة في اكتشاف هذا العالم البديع والتهام السطور التهاما حتي اخر سطر ..حيث ان الاحداث تجذبك والهدوء يغلفك والرغبة في الانتصار " للزين " تستولي عليك ...والرواية لن تخذلك .... فهي تنتصر للزين انتصارا جميلا سلسا ليس فيه بطولة مزعومة ولا انكسارا مقبضا ... ولكنه ذلك الانتصار والنجاح القريب للواقع الذي تراه في الحياة ...و انا هنا تتنازعني رغبتان فانا لا اريد ان احرق احداث القصة لمن لم يقرأها ... وكذلك اريد ان اعرضها عرضا وافيا .... حسنا ...استطيع ان ازعم ان الرواية - ورغم انتماء مؤلفها لمدرسة الواقعية - الا انها تعلمك ان الواقعية ليست هي السواد المفرط ولا التهويمات الغير مفهومة ... ولكن الواقعية هي ان تقترب كثيرا وجدا من البشر وتلتقط لحظاتهم التي يعيشونه بافراحها واحزانها وتقوم بعمل تكبير لها ليشاهده الجميع معك .... والرواية تناقش ايضا التضاد بين مفهوم التدين الشعبي المستقر في وجدان مجتمع عفوي مثل مجتمع الاشقاء في السودان ... والتدين الذي يبشر به المتعلمون ... والذي يمثله إمام المسجد في الرواية .... وهذا الامام ايضا يمثل لك شخصية محيرة في بناء الرواية ...فحديثه الذي يلقيه علي مسامع المصلين يوم الجمعة هو حديث صحيح من الناحية الدينية .. حيث انه يذكرهم بالاخرة وعذابها ونعيمها و اقتراب الموت وضرورة تأديتهم لفرووضهم الدينية .... ولكنه ايضا يثير - في نفوس اهل القرية - الكثير من الانقباض والاحساس بانه يكتسب رزقه بدون تعب او كد مثلهم ...حيث انه يكتسب اجره من تعليم ابنائهم .... وكذلك كان منفصلا عن احاديثهم وعن اهتمامهم ... انظر معي لذلك المقطع من الرواية وستفهم مدي انفصال امام المسجد عن اهل القرية ... " ... ويقول لك محجوب اذا سالته عن امام المسجد انه " انه راجل صعب , لاياخد ولا يدي " معني ذلك انه لم يكن يسايرهم او يخوض معهم في احاديثهم - لم يكن يعنيه , كما يعنيهم , اوان زراعة القمح وسبل ريه ووسماده وقطعه او حصاده . لم يكن يهمه هل موسم الذرة في حقل عبد الحفيظ نجح ام فسد , وهل البطيخ في حقل ود الريس كبر ام صغر ؟ كم سعر اردب الفول في السوق ؟ هل هبط سعر البصل ؟ لماذا تأخر لقاح النخل ؟ كانت تلك امور ينفر منها بطبعه ويحتقرها بسبب جهلة بها . ومن ناحية اخري , كان هو يهتم بامور لا يابه بها إلا القليلون في البلد. كان يتتبع الاخبار من الاذاعة والصحف ويحب ان يناقش هل ستقوم الحرب ام لا ؟ وهل الروس اقوي ام الامريكان ؟ ماذا قال نهرو وماذا قال تيتو ؟ وكان اهل البلد مشغولين بجزيئات الحياة لا تعنيهم عمومياتها . وهكذا نشأت الهوه بينه وبينهم " .... هل اقتنعت باهمية القضية التي يثيرها المولف وهي - من وجهة نظري - انفصال المتعلمون عن الواقع الذي يعيشه بقية اهل البلد ( لو كان قدر لك ان تنزل احدي قري مصر والحديث مع اهلها ... لعرفت تماما ما يعنيه الطيب صالح بهذا الكلام ... فاهل القري يهمهم جدا سعر " شيكارة الكيماوي " عن اخبار الازمة المالية العالمية الراهنة )
هناك نقطة اخري متعلقة بإمام المسجد ... وهي انك تجد قلبك منقبضا عندما تقرأ سطور الرواية التي تتحدث عنه ...حيث يخيل لك ان السطور تقطب جبينها عندما تتحدث عنه .... اما رجل الدين الاخر في الرواية وهو " الحنين " فتحس ان سطور الرواية تنبسط اساريرها وتكاد تسمع صوت زقزقة العصافير منها عندما تتحدث عنه .... والحنين رجل دين صالح يعتبره اهل البلد بمثابة ولي من اولياء الله الصالحين وهو يحب " الزين " حبا جما ولا ياكل في بيت الا بيت الزين ودائما يدعو له .... و "الحنين " ( ارجو ان تلاحظوا دلالات الاسماء في الرواية ... الزين ... الحنين ..... نعمة " التي سيتزوجها الزين " وهي دلالات حالمة وكأن اسم الشخص لمحة من القدر تحكم مبكرا علي تصرفاته في الحياة ) ... رجل يحمل الكثير من صفات رجل الدين المرتبطة في اذهان اهل القري ...فهو يقيم في القرية ستة اشهر بين صوم وصلاة ...ثم يضرب في الصحراء ستة اشهر اخري منقطعا للعبادة ... وهو رجل لطيف المعشر .... لايغضب من اهل القرية - علي عيوبهم ومعاصيهم - ..بل يدعو لهم ... بل هو الذي انقذ "سيف الدين " احد اكثر فساق اهل القرية من الموت علي يدي " الزين " عندما اراد " الزين" ان يخذ بثأره منه .... واصلح بينهما ودعا لسيف الدين وللحاضرين " ربنا يبارك فيكم , ربنا يجعل البركة فيكم "... واطلق نبوئته للزين " بكره تعرس بنت في البلد دي ... " وهنا تنقلب الامور رأسا علي عقب .... فيتوب " سيف الدين " عن معاصيه ويترك مجالس اللهو والخمر وينتظم في الصلاة .... وتهل البركة علي القرية ويعم الخير علي اهلها في ذلك العام ...حتي يجمع اهل القرية علي تسمية ذلك العام " عام الحنين "
الرواية تحمل حلا لقضية اخري اشتد فيها اللغط بين الادباء والكتاب وهي تدورحول سؤال محوري " باي لغة نكتب ؟ " وتجد ان الطيب صالح استخدم ابسط الحلول وايسرها ... فوصفه للاحداث رائع بلغة عربية فصحي محكمة ...اما حديث ابطاله فهو حديث باللهجة السودانية المغرقة في المحلية والتي - وإن لم تفهم بعض الفاظها ومفراداتها - الا ان لها وقعا محببا في الاذن والقلب .
الرواية مفعمة بقضايا اخري هامة .... منها - علي حسب فهمي - فكرة السلطة واهمية وجودها بين الناس ( ولا اعني بالسلطة الحكومة المركزية ولكن تلك المجموعة الموجودة بالقرية والتي تقوم علي مصالح اهل القرية ) وهذة السلطة تبدو في احداث القصة مكونة من سبع شخصيات هم : محجوب , عبد الحفيظ , الطاهر الرواسي , عبد الصمد , حمد ود الريس , احمد اسماعيل , سعيد ... اقرأ معي ما ذكرته الرواية عنهم " هؤلاء كانوا الرجال اصحاب النفوذ الفعلي في البلد ...... كانوا الرجال الذين تلقاهم في كل امر جليل يحل بالبلد . كل عرس هم القائمون عليه , كل مأتم هم الذين يرتبونه وينظمونه . يغسلون الميت فيما بينهم , ويتناوبون حمله الي المقبرة . هم الذين يحفرون التربة , ويجلبون الماء , وينزلون الميت في قبره , ويهيلون عليه التراب , ثم تجدهم بعد ذلك في ( الفراش ) يستقبلون المعزين , ويديرون عليهم فناجين القهوة المرة . اذا فاض النيل او انهمر السيل فهم الذين يحفرون المجاري , ويقيمون المتاريس , ويطوفون علي الحي ليلا وفي ايديهم المصابيح, يتفقدون احوال الناس ويحصرون التلف الذي احدثه الفيضان او السيل . اذا قيل ان امرأة او بنتا نظرت نظرة فاجرة الي احد , فهم الذين يكلمونها واحيانا يضربونها , لايعنيهم بنت من تكون . اذا علموا أن غريبا حام حول الحي حول المغيب فهم الذين يوقفونه عند حده . اذا جاء العمدة لجمع العوائد فهم الذين يتصدون له , ويقولون هذا كثير علي فلان , وهذا معقول وهذا غير معقول ...... والآن وقد قامت في البلد مدارس , ومستشفي , ومشروع زراعي , فهم المتعهدون , وهم المشرفون , وهم اللجنة المسؤولة عن كل شئ . " .... هل اعجبت بهم ؟ واعجبت بافعالهم مع اهل القرية ؟ .... اذن تحمل القنبلة القادمة واسمع بقية الوصف .. " .... كانوا ككل صاحب سلطان ونفوذ لايظهرون نزعاتهم الشخصية ( إلا في مجالسهم الخاصة امام متجر سعيد .... الإمام مثلا كانوا يعتبرونه شرا لابد منه ... لم يكونوا يصلون !! .. ولكن واحد منهم علي الاقل كان يحضر الصلاة مرة في الشهر , إما الظهر أو العشاء في الغالب , فالفجر لاطاقة لهم به , ويكون غرض الزيارة في الواقع شيئا غير الاستماع لعظة الامام , حينئذ يعطون الإمام مرتبه , ويتفقدون بناء المسجد .... " ... فعلا شيئا غريبا ... هل يريد الطيب صالح ان يعقد مقارنة في عقولنا بين سوءات وسيئات السلطة في روايته وبينها في الواقع ؟ .... وهل يريد ان يقول انه السلطة في اي مكان مادامت لم تحظ بمحاسبة فلابد لها ان تسلك مسلكا غير قويم ؟ ... ام انه يريد ان يقول ان السلطة مادامت تقوم بواجباتها الصحيحة تجاه اهل البلد ..فليس لهم ان يحاسبوها عن سلوكها الشخصي ؟ ... لا ادري ... ولكنها تساؤلات تقفز لعقلك بمجرد ان تطالع ذلك التناقض .
الرواية رغم ثرائها الواضح بعدة مقابلات بين الاشياء واضادها ... إلا انها ...تبدو كترنيمة جميلة للحياة .. تسحرك بعذوبتها ... وتنقلك إلي عالم بكر ... لم تلوثه المدنية بملوثاتها ... اقرأ معي ما كتبه الاستاذ / جلال امين في نهاية تعليقه علي الرواية ... " ... فالقصة بالإضافة إلي ماذكرته , يتوفر فيها هذا الشئ النادر , وهو التفاؤل . فالذي ينتصر في النهاية هو الزين . ينتصر علي كل اشخاص القرية المزيفين , اذ لا تقبل اجمل وأذكي فتاة في القرية بالزواج إلا منه , ومن ثم فالقصة تتررك القارئ مفعما بالأمل . وهذا هو , بعض ما دعا الدكتور علي الراعي إلي ان يختار ذلك العنوان الجميل لمقاله عن " عرس الزين " " زغرودة طويلة للحياة " " فعرس الزين " هي كذلك ....... "
لمحات سريعة : -
المؤلف : الأديب السوداني الطيب صالح .. ( تستطيع ان تطالع اعماله بمكتبة العرب علي الرابط الاتي) :
الرواية : عرس الزين ورابطها هو
وصلات مفيدة : كتب لها تاريخ للمفكر الكبير جلال امين وتستطيع تحميله من الرابط

السبت، 14 مارس 2009

بداية الاستفتاء

نقوم اليوم بالاستفتاء الاول بين اربع اعمال ابداعية لنري اي عمل سيحوذ اكبر عدد من الترشيحات ليتم فتح النقاش حوله في المدونة ( التصويت ممكن عن طريق ترك تعليق او صندوق الشات ) والاعمال هي :-

1- رواية عمارة يعقوبيان للروائي علاء الاسواني .... ويمكن تحميلها عن طريق اللينك الاتي http://www.4shared.com/file/36574112/27fd5002/___online.html?dirPwdVerified=87e0a05

2- رواية يوتوبيا لدكتور احمد خالد توفيق .... ويمكن تحميلها عن طريق اللينك الاتي http://www.4shared.com/file/60005919/cf5dc9aa/___online.html

3- رواية عرس الزين للروائي السوداني الطيب صالح ..... ويمكن تحميلها عن طريق اللينك الاتي http://www.4shared.com/file/47881536/b00d28d5/___online.html?dirPwdVerified=e58bbdb3

4- رواية الا فاطمة للكاتب انيس منصور ... ويمكن تحميلها عن طريق اللينك الاتي http://www.4shared.com/file/36608915/c9e8851f/___online.html?dirPwdVerified=87e0a05

ارجو ان تنال الروايات اعجابكم والاستفتاء مفتوح كما قلت عن طريق التعليقات او صندوق الشات ولا يفوتني ان اقدم الشكر للاخ العزيز رولكس ( صاحب مدونة نهضة العرب ) وجميع من يعملون معه ( ايملي وراجول والاخرون ) فلولاهم ما استطعنا ان نعمل مثل هذا الاستفتاء جزاهم الله عنا خيرا , وكذلك العزيز محمد ( صاحب مدونة العرب للعرب ) لانه هو من اوحي لي بهذا الاستفتاء

الخميس، 12 مارس 2009

محاولة ارجو ان تنال اعجابكم.

علي بركة الله وباسمه سبحانة اخطو اولي خطواتي التفاعلية في عالم التدوين , محاولا ان اصنع شيئا جديد والاهم ان يكون مفيدا , ولقد جائتني فكرة ان يساهم السادة الزوار في اختيار محور المناقشة ...., وفكرتي باختصار ان يختار كل شخص اسم كتاب معين في احد التخصصات " يجب ان يذكر لينك التحميل ليقوم الاخرون بتحميله والاطلاع عليه " وفي نهاية كل اسبوع سنري اكثر الكتب التي حازت علي اصوات ونطرحه للمناقشة من خلال التعليقات لمدة اسبوع , وسننتخب احسن التعليقات التي تم ادراجها علي الكتاب , ارجو ان تنال الفكرة اعجابكم والا تحرموني من افكاركم لتحسين الفكرة , واعتذر عن فقر المدونة التنظيمي لانني فعلا اخطو اولي الخطوات في عالم التدوين .