الجمعة، 10 أبريل 2009

الشخصية العامة بين حرمة الحياة الخاصة ... وحرية الصحافة .

اعتذر لاني سأقطع عرضي لرواية يوتوبيا ...وساتناول موضوعا فرض نفسه علي وسائل الاعلام ... وهو ذلك الخبر الخاص بانفصال د/ ايمن نور زعيم حزب الغد والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية والناشط السياسي عن زوجته السيدة / جميلة اسماعيل الاعلامية والناشطة السياسية بحزب الغد.
لا خلاف علي ان السياسيين بشر ... يحبون ...يكرهون ...يختلفون ... بل وينفصلون , وكذلك لا خلاف علي ان الناس تتلهف علي مطالعة اخبارهم ومتابعتها ... حيث ان ذلك يمثل لمحة ذات مغزي لجماهير القراء وهي ان السياسيين بشر مثلهم ... وان ما يكابده الانسان العادي في حياته يعيشه السياسي في حياته ... وهذا سر جاذبية اخبار السياسيين بل والمشاهير عموما علي مستوي العالم كله وليس مصر فقط.
ولكن هل يعد هذا مبررا لاستباحة حياتهم الخاصة ؟ وان تنشر خصوصياتهم علي المشاع ؟ وهل الصحافة رسالة ؟ ام فرقعة اعلامية ومبيعات فقط ؟ وهل لكل مجتمع مدرسة صحفية خاصة به ؟ ام ان الصحافة فن عالمي ما ينطبق فيه علي امريكا و اوروبا ينطبق علي مصر ؟ وهل تختلف جرعة الحرية علي حسب شخصية الانسان الذي سيتم الحديث عليه ؟ وتناول اخباره ؟ فإذا كان من اهل الحظوة والسلطة يتم الاشاره له " باحد الشخصيات الهامة " ... و إن كان من " المغضوب عليهم والضالين " يتم التصريح باسمه ومرمطته بحوارات واحاديث متتالية ؟ وهل السياسي مثله مثل اي فرد في المجتمع يحمل بداخله كل التناقض الذي يبرز في حياة اي شخص ... والذي يتبني مبدأ نفي المشكلة وازاحتها الي الجانب اللا منظور للتخلص منها ؟ هذا ما سنحاول دراسته والرد عليه ... وبادئا ذي بدء اعلن انني اكن كل احترام وتقدير لكل من سيرد اسمهم في معرض التحليل ...وان القاعدة الذهبية في التناول " الاختلاف في الرأي لايفسد للود قضية " .

بدأت القضية بخبر نشرته جريدة " المصري اليوم " عن انفصال د/ ايمن نور عن زوجته السيدة / جميلة اسماعيل ... وعرفنا الخبر عن طريق برنامج " العاشرة مساءا " .... ومن البداية احسست ان الموضوع يتم تناوله من الزاوية الخطأ ... فرغم اعجابي الشديد والمستمر بالأعلامية المتألقة / مني الشاذلي الا انني احسست ومنذ بداية اتصالها مع د/ أيمن نور ان زمام الحوار يفلت من يدها ... وزاد الامور تفاقما ... انها " مع الاسف " تقمصت دور وكيل النيابة وهي تسأله عن مكان زوجته ... ولماذا لا ترد علي الاتصالات ... وزاد الطين بله .... دخول الصحفي المتميز / مجدي الجلاد رئيس تحرير المصري اليوم في الحوار ... وهنا زلزلت الارض زلزالها ... وتحول البرنامج الي ساحة لتبادل الاتهامات ( التي ليس من ورائها طائل ) فبين النفي الشديد والقاطع من جانب الزوج " ايمن نور " ... وبين التأكيد المدعوم بالبراهين من جانب " مجدي الجلاد " ... وبين الابتسامة الماكرة والاسئلة الاشد مكرا من مقدمة البرنامج ... تحول البرنامج الي " سوق عكاظ " ...الا ان اشد ما اثار استهجاني فقرة استجواب " نور " ابن " ايمن نور " في لقطة اقل ما توصف به انها غير لائقة.

انا لست من محبي ادعاء الذكاء او الحكمة بأثر رجعي ... لكني اعترف بان من خلال سير الحوار كنت متأكدا بنسبة كبيرة من صحة الخبر ... ولكن ذلك لم يكن الشئ الذي استحوذ علي تفكيري اثناء المشاهدة ... فالذي كنت افكر فيه وقتها ... وعلي فرض صحة الخبر ...هل من اللياقة تناولة وايراده بهذة الصورة ؟ اعتقد وبدون مقدمات ان ذلك الخبر - في نظري - سقطة لا تغتفر لجريدة المصري اليوم .... فكيف لجريدة مستقلة ... ليبرالية تهدف لتطوير المجتمع عبر الفكر الحر ونشر ثقافة الحوار ان تتورط في مثل هكذا اخبار ؟ لو ان الخبر ورد في جريدة " سين " او " صاد " من الجرائد الصفراء لم يكن ليلتفت اليه احد .... ولكن وروده في " المصري اليوم " هو ما اعطاه ثقلا ... واسبغ عليه توهجا غير عادي فدرجة الاهتمام بالخبر هو ما يعطيه ويضفي عليه الاهتمام ... والخبر لم يرد فقط بالمصري اليوم .... كلا ولكن ورد بالصفحة الاولي .... وهو ما يعطيك انطباعا عن الدرجة التي اريد بها جذب الاهتمام له ... وارجع واقول .... ما هي الاهمية الكبري لخبر مثل هذا الخبر ؟ .... وعفوا لا يكرر احد المقولة المعتادة " انهما من الشخصيات العامة .. والناس تحب ان تتابع اخبارهم " فتلك مقولة حق يراد بها باطل .... انا احب ان اتابع ما يعنيني فقط من الشخصية العامة ...مثل نشاطها السياسي او الثقافي او الاجتماعي ... او ما يحيط ويؤثر علي تلك النشاطات مثل اخبار الصحة العامة ... اما من تشاجر مع زوجته ... ومن رسب ابنه ... ومن غادر شقته ... فعفوا هذا من قبيل التطفل الغير مقبول ... والذي ليس من وراءه طائل سوي جلسات النميمة .
ثم ان هناك نقطة اخري واعتذر مقدما عن مكر السؤال ... هل اي شخصية عامة مستباحة اخبارها بمثل هذة الطريقة ؟ ...بمعني اخر أليس الوزراء شخصيات عامة ؟ اليس اعضاء الحزب الوطني ولجانه شخصيات عامة ؟ هل تجرؤ اي صحيفة علي تناول اخبار انفصال احد منهم عن زوجته ؟ ام ان السياسي المعارض مستباح للجميع ؟ ... ام ان الخبر ياتي في سياق الحكمة القائلة " من قدم السبت ... وجد الاحد ومن يدري ... ربما بقية الاسبوع ايضا ".
السؤال السابق يجرنا جرا لتساؤل اخر مشروع ... ما ذنب اي صحيفة وجدت امامها خبرا طازجا اتي لها علي طبق من ذهب هل تتجاهله ؟ ومن يدري ربما تناولته صحيفة اخري وضاع عليها السبق الصحفي ...هنا يتضح من ينظر للصحافة كرسالة عمن ينظر لها كنسبة مبيعات وفرقعة اعلامية فقط .... فقد كان يكفي مثلا ان يذكر الخبر في صفحة داخلية وبعد ان يتم العثور علي الطرف الاخر " الزوج " ليعطي تعليقه علي الخبر ... وانتهي الموضوع . ولكن من قال اننا نبحث عن الطريقة المثلي التي تتناسب مع تقاليد وعادات مجتمعنا ؟ اننا نتمثل النموذج الامريكي في عمل فرقعة اعلامية وشد الانتباه ... حتي لو كان خبرا لايفيد في شئ.
هل المرأة الشرقية تتغير طباعها بتغير مكانتها السياسية والاجتماعية ؟ ام ان السلوك الحاكم لها هو نفسه مهما كان مكانتها في المجتمع ؟ بمعني ان اي زوجة في مجتمعنا يمثل لها زوجها كل شئ في حياتها ... فاذا ذهب ذلك الزوج فليذهب كل شئ الي الجحيم ..فلا شئ يمثل اهمية ما دام الزواج نفسه انهار .... ما حدث يذكرني بالزوجة التي يرمي عليها زوجها يمين الطلاق ... فترتب حقيبتها لمغادرة المنزل ... ولكنها قبل ان تتركه ... تقذف باطقم الصيني علي الارض لتحطمها تحطيما ... وتلقي " بالريسيفر " من علو رأسها ... ولا مانع من تمزيق الستائر ايضا ... وهي هنا محقة فاذا كان العمر " الزوج " نفسه ضاع فما قيمة اي شئ اخر ؟ اما من يحدثها عن العواقب وعن ترك الباب مواربا لاحتمالات المصالحة ... فهو يتكلم عن العبث ذاته فهو غير مقدر لما تحس به وما يعتمل بداخلها ...هذة هي الزوجة الشرقية... والتي تختلف طبعا عن " هيلاري كلينتون " التي سمعت بأذنيها عن خيانة زوجها " بيل كلينتون " وعن التفاصيل " المقززة " لما كان يفعله في البيت الابيض .. اثناء وجودها به ... ولكنها غضت الطرف عن ذلك ... بل وخرجت علي شاشات التلفاز ... لتعلن انها قد سامحته عن فعلته " الشنيعة " وتطالب الشعب الامريكي ان يسامحه مثلها ..وذلك ليس " لسواد " عيون السيد " بيل " ... ولكن لانها كانت تخطط لمستقبلها السياسي الذي كان سينها بلا فرصة للرجوع في حالة انفصالها عن " بيل كلينتون ".
نأتي للنقطة الابرز في سياق الموضوع ... وهو علي فرض ان ما سبق قوله صحيحا وهو ان الجريدة انتهكت خصوصية احد الافراد واذاعت خبرا عن حياته الاسرية كان يفضل ان يظل طي الكتمان حتي يتم رأب الصدع .... او " علي اقل تقدير " الي ان يتم تسويقه بطريقة اقل وقعا مما حدث.... و فوجئ ان هناك وسيلة اعلام اذاعت ذلك الخبر ...هل ذلك مبررا ليخرج هو الاخر وباقصي سرعة ...علي وسيلة اعلام اخري اشد انتشارا ليكذب الخبر وينفيه جملة وتفصيلا ؟ خاصة وهو يعلم تمام العلم ان الخبر في متنه صحيح ... وان تم الاختلاف في تفاصيل الخبر هل هو طلاق ؟ ام انفصال ؟ ...اذا كنا قد ذكرنا طباع المرأة الشرقية ... فالانصاف يقتضي ايضا ان نذكر من تصرف الزوج لا يعدو تصرفا من تصرفات الرجل المغرق في الشرقية ايضا ... فهو نفي الخبر جملة وتفصيلا بل وزعم انهم علي وشك الاحتفال بعيد ميلاد زوجته ... وذلك اعتمادا علي ركيزة واحدة ... وهي استحالة ان تخرج زوجته لتكذبه ...فالزوجة " في الاخر " ليس لها الا زوجها ...بل واعتقد ان النفي كان يعتمد علي سياسة حافة الهاوية ... فهو وضع مصداقيته علي المحك وغامر بصورته ليدفع زوجته دفعا لتكذيب الخبر " وهو مالم يحدث " , وهذا يجعلنا نتسائل هل العمل داخل الكيانات السياسية المصرية هو عمل فردي ؟ ام هو عمل مؤسسي ؟ فعندما سمعت الخبر في البرنامج الشهير اول ما تبادر في ذهني ... ان الجميع سيلتزم الصمت ... وان اكتفيت الجريدة ورئيس تحريرها بتاكيد الخبر ... ولكني فوجئت باتصال من د/ ايمن نور ... هنا تأكدت اننا نستورد من الخارج ومدارسه الاعلامية السلبيات دون الايجابيات ... ولكي اكون محددا اكثر ...هل د/ ايمن نور لديه او لدي الحزب الذي يمثله مستشارا اعلاميا ؟ وهل استشاره قبل الخروج علي البرنامج ليكذب وينفي تماما الخبر ؟ وهل لو كان لديه مثل هذا المستشار .. وتحدثا سويا وتناقشا في الطريقة المثلي للرد علي الخبر ... هل كان رد الفعل سيكون بهذة الطريقة الملتهبة والتي ساهمت اكثر في عدم الموضوعية في تناول الخبر ؟ فالمؤكد ان اي اعلامي مبتدأ كان سينصح د/ ايمن نور بعدم الظهور ...مع إصدار بيان مقتضب ينفي حدوث الطلاق ...الي ان يتدبر امره مع زوجته ...اما براب الصدع وعودة المياه لمجاريها ... ومن ثم ظهورهما معا ... وهو ماكان سيمثل ابلغ رد علي الخبر بدون الدخول في تفاصيل تكذيبه من عدمه .... او بأتخاذ قرار الانفصال والتمهيد له جيدا ...حتي لايمثل صدمة " كما حدث " للمتلقيين ... اما ما حدث فيجعلنا نتساءل كل هذة التساؤلات المشروعة عن طريقة ادارة العمل السياسي في الاحزاب في مصر والتي تخضع للاجتهاد الشخصي بعيدا عن العمل المؤسسي الذي يقوم كل شخص بدور محدد مرسوم له بدقة وعناية والخطوات محسوبة بعيدا عن ردات الفعل والمشاعر الشخصية.
السؤال الذي يطرح هنا ...هل ستتاثر شعبية " د/ ايمن نور " بالذي حدث ؟ الاجابة لاتحتاج لكثير من الذكاء ولا الجدال ... نعم ستتأثر شعبيته ... وبشدة .. فمصر ليست فرنسا التي انفصل فيها رئيس الجمهورية عن السيدة الاولي " سيسيليا ساركوزي " وجاء بعدها الي مصر للسياحة مع صديقته ... وكان قد سبقهما مرشحة الرئاسة اليسارية " سيجولين رويال " والتي انفصلت عن رفيق دربها " فرانسوا هولاند " سكرتير الحزب الاشتراكي في اوج المعركة الانتخابية ولم تتاثر حظوظها في تلك الانتخابات ..بل انها تفوقت علي سياسي مخضرم مثل " فرانسوا بايرو" والذي كانت ترشحه استطلاعات الراي للفوز امام ساركوزي فيما لو وصل الي انتخابات الاعادة امامه ,... ولكننا في مصر التي تلعب فيها الصورة الذهنية عن الشخص ومقدار الحب والتقبل للتصرفات دورا كبيرا في النجاح السياسي ..... واذا كان " نور " فشل في تفنيد بعض الاتهامات ( التي ليس هناك دليل مؤكد عليها ) التي كان يغمزه بها خصومه ودون تصريح بها في الاعلام ... ولكن عبر الغمز واللمز في المقالات ...نظرا للانطباعية التي يحكم بها رجل الشارع علي السياسيين ... فمابالك بتهمة جاهزة مجانية هبطت علي خصومة دون عناء ... وإن كان عبء استثمارها والنفخ فيها يقع علي عاتقهم ... وهم لن يضيعوا فرصة كهذة دون استغلالها الي اقصي حد ... واستطيع ان ازعم ( دون مزاح ) ان " نور " خسر والي حد كبير التأييد النسائي في اي معارك قادمة علي اعتبار انه " خائن للعشرة " وتنكر لزوجته ..ام اولاده ... التي ساندته في محنته بمجرد خروجه من السجن , ... سيحدث هذا الا في حالة واحدة " وإن كانت مستبعدة " ... وهي نجاحه في راب الصدع والظهور مجددا بصحبة زوجته ... وقتها يمكنه استثمار هذا الموقف ليبرهن علي انه مثل اي زوج اخر من عامة الشعب ...يختلف مع زوجته احيانا ... لكنه لن يتنازل عنها مطلقا ... لو حدث هذا لتمكن من قلب المائدة فوق رؤوس الجميع وانتزع نصرا من انياب الهزيمة ... وإن كنت استبعد ذلك من سير الاحداث .
نأتي للسؤال الاصعب ... من ربح ؟ ومن خسر في سوق " عكاظ " الذي اقيم ؟ ربحت جريدة " المصري اليوم " شهرة وارتفاعا في التوزيع و إن خسرت علي الجانب المهني ... فهي تراجعت بضع خطوات للخلف علي مقياس الرصانة و الحرفية التي كانت تتسم بهما .. ولو حسبتها جيدا لعرفت ان خسارتها تفوق بمراحل مكاسبها ... فقارئ " المصري اليوم " ليس من ذلك الطراز الذي تستهوية تلك الاخبار ... او لنقل ان له هموما اخري لا يأتي مثل هذا الخبر علي راس اولوياته فيها , كذلك خسر برنامج " العاشرة مساءا " ومذيعته المتألقة بعضا من رصيدهما وصورتهما التي حفراها بكثير من المشقة والمصاعب والمصداقية المطلقة في تناولهم للاحداث ... ولا اعرف الي الحين ... هل ما حدث كان " زلة " غير مقصودة وغير مخطط لها ؟ ام ان البعض تصور ان مثل هذا التناول هو الذي يشد انتباه جمهور مشاهدي البرنامج ؟ سواء هذا او ذاك ... فالنتيجة واحدة وهي ان البرنامج خسر ولم يكسب علي الاطلاق ... علي الاقل بين جمهوره المثقف الذي يمثل قوة الدفع له ,... اما الرابحون بلا خسارة فهم خصوم " ايمن نور " من اقصي اليمين الي اقصي اليسار ...والربح لا يقتصر فقط علي طريقة تعاطيه مع الخبر ونفيه المتسرع للخبر ... ولكن لعدة اسباب اولها ان الضربة هذة المرة من اقرب المقربين " لنور "... زوجته ... التي كانت تمثل صداعا مستمرا بوجهها الاعلامي " المعروف " وشراستها وجرأتها التي تعتمد علي اقوي اسلحتها وهي كونها " سيدة " فنحن مجتمع لن يغفر علي الاطلاق التعرض " لسيدة وزوجة " ايا كان ما تتناوله في تصريحاتها ... ولعل الكثيرين قد ادركوا انها بتعبيراتها وصلابتها بل ودموعها قد كسب تعاطف الجميع في المناظرة التي حدثت في برنامج " العاشرة مساءا " بينها وبين " مصطفي موسي " في اعقاب حريق مقر حزب الغد.
ثاني اسباب الربح ان " نور " لن يستطيع ان يتحدث عن مؤامرة من خصومه .... فهذا الحدث اكبر من ان يتم تأوليه بنظرية المؤامرة ... بل توصيفه بتلك الطريقة " انه مؤامرة " سيمثل طعنة اشد نفاذا ...حيث انه بذلك الزعم ستهم زوجته بالتأمر عليه مما يفقده تعاطف شريحة اكبر ... السبب الثالث لربح خصوم " نور " هو ان الضربة جائت من نفس السلاح الذي كان يعتمد عليه في مواجهاته وهو " التكثيف الاعلامي " وكسب التعاطف عن طريق الادوات الاعلامية ... ولعل الجميع لم ينسوا " الخناقة " التي حدثت بين المتألقة " مني الشاذلي " واللامع " عمرو اديب " علي من يستضيف " نور " يوم خروجه من السجن ... فما بالك بمن كانت تتهافت عليه البرامج التلفزيونية لاستضافته استضافة الفاتحين ... وهو يلهث من برنامج لاخر لنفي خبر انفصاله " تم تعديلها لاحقا الي طلاقه " من زوجته .
في الخاتمة لابد وان نذكر الخاسر الاكبر ... وهو الحياة السياسية في مصر بالاضافة الي " حضرتك " و" حضرتي " فبدلا من ان نسمع... اراءا سياسية... وحجج اقتصادية.... واطروحات عملية عن طرق مجابهة جبل المشكلات المتزايد في مصرنا الحبيبة ... توجب علينا ان نستمع الي مناقشات ... " بيزنطية " ... وجدالات " سفسطائية " عن الفرق بين " الانفصال " و "الطلاق " ولم نكسب سوي بعض الحكم الخالدة التي لا يكف الدهر عن تأكيدها مثل " الرجالة مالهموش امان " والتي خرجت من افواه معظم المتابعات لاخبار هذا الطلاق ..الذي اتضح كونه انفصالا .... ولنا الله -عز وجل- ولكي انت ايضا يا مصر.

الجمعة، 3 أبريل 2009

يوتبيا .... عندما يسبق الواقع خيال المؤلف

د/احمد خالد توفيق ..... صعب جدا ان تجد شخصا في مرحلة الشباب لم يقرأ له ويعجب به .. ويرتبط ارتباطا شديدا بمتابعته ..... والسر طبعا معروف ... فهو احد اولئك الكتاب الذي لا يكف عن تعليمك شيئا جديدا كلما قراءت له ... وهو يفعل ذلك باسلوب جميل ...ساخر .... ويفتح عينيك علي عوالم ليست بعيدة عنك وتراها كل يوم ... ولكنه يعيد تقديمها لك بطريقة جديدة .... ويجعلك تري ما كان خافيا عنك .
كانت بداية تعرفنا عليه ...من خلال اصدارات المؤسسة العربية الحديثة ..... تلك المؤسسة الرائعة العظيمة ... التي وعلي مدار اكثر من ربع قرن تحملت ان تكون ... منارة لنشر قيم القراءة والثقافة بين الشباب .... وعذرا ...فالمؤسسة تحتاج لمقالات ومقالات لتوضيح دورها التنويري ... وليست فقرة في مجال العرض لكاتب رائع مثل احمد خالد توفيق ..... قلنا ان بداية التعرف عليه كانت من خلال المؤسسة العربية الحديثة .... واول ما يتبادر الي ذهنك عندما تعرف انه اختار ان يتعرفه القراء من خلال تلك النافذة ... انه فدائي التفكير ... انتحاري التنفيذ .... وذلك لانه في هذا الوقت ( والي الان ) كان هناك عملاقا اخر يستولي علي قلوب وعقول الشباب ... واقصد د/ نبيل فاروق ... والذي كانت سلاسله الرائعة واصدارته المتميزة مستولية علي اهتمام شباب القراء ... وكانت المرحلة التي اختار فيها د/ احمد خالد توفيق ...الدخول اعتي لحظات ارتباط القراء بسلاسل " رجل المستحيل , و ملف المستقبل " فقد كانت السلسلتان بلغتا قمة النضوج ... وصارتا مثل الفاكهة التي طابت وحان وقت قطافها ... وصار القارئ ينتظرها ليلتهمها التهاما .... ( اذكر ايامها انني كنت بالمرحلة الثانوية ... وانتم تعرفون ما تعنيه تلك المرحلة من الاستعداد المتواصل واللا منتهي للثانوية العامة .... ايامها كان حبي لرجل المستحيل بلغ مداه ايام معركتة مع بانشو سيلاز بالمكسيك ... ثم فقده للذاكرة ... وزواجه من افعي الموساد سونيا جراهام ... المهم كنت اشتري العدد ..ولا اطيق ان انتظر حتي وصولي للمنزل ... فاتصفحة وانا سائر بالطريق ... ثم اعدل عن ذلك ... واقول ...كلا سانتظر حتي وصولي للمنزل ...لأقراءه في طقوس القراءة الخاصة بي ... واربت عليه ..كما لو كنت امتلك شيئا ثمينا ...هذا والله فعلا ما كان يحدث )
وسط ذروة تألق اعداد رجل المستحيل و دخوله في مرحلة جذبت اهتمام شرائح جديدة من الشباب .... ( كانت امي – رحمها الله وطيب ثراها – تتسائل في دهشة.... لتجاريني انا واختي الاصغر سنا ...كيف تتزوج سونيا جراهام من ادهم ... وما هي اخر صراعات نور مع ابن الشيطان ) فعلي الجانب الاخر ....كانت يد د/ نبيل فاروق تخط اجمل اعدداد ملف المستقبل قاطبة .... وهي اعداد صراع فريق نور مع ابن الشيطان " بعلزبول الابن " ... ومن بعدها اعداد احتلال الارض ... والتي اظن انها كانت فتحا ... في السلسلة ... ولا اعلم للان لماذا اختار د/ نبيل فاروق ان يتخلص من شخصية " بعلزبول الابن " بسرعة فقد كانت تضفي نكهة خاصة علي السلسلة .
وسط ذلك التألق الغير عادي لسلسلتين رائعتين تصدران منذ اكثر من عشر سنوات ...فوجئنا ...بطبيب عجوز كهل ( وهو صديقنا الرائع د/ رفعت اسماعيل ) ...يقتحم علينا عالم اصدارات المؤسسة ( وطبعا تعرفون اني اتحدث عن سلسلة ماوراء الطبيعة ).... ونظرا لان المؤسسة كانت تحوذ ثقة الشباب المطلقة ...فقد اشتري الشباب الاصدار الجديد ...لتقييمه ... والحق اننا وجدنا شيئا جديدا في تلك السلسلة ( عفوا ... انا سانشر قريبا دراسة كاملة – إنشاء الله – عن اصدارات المؤسسة ) ... كانت هناك لغة جديدة ... وطريقة جديدة .... صحيح ان السلسة الجديدة كانت بدايتها باهتة ...إلا انها سرعان ما تخلصت بسرعة شديدة من مخاوف البدايات ... وتوهجت بشدة ... وساعد علي ذلك غزارة الانتاج ...ففي حين كانت اعداد ( رجل المستحيل – ملف المستقبل ) تصدر بعدد لا يتجاوز 6 اعداد في العام ... كان علي المقابل ... هناك كاتب عبقري ثرثار ... وجدناه القي في ايدينا اكثر من 10 اعداد ( او هذا ما خيل لي ) لبطله الذي تستعجب من اختياره بطلا من الاساس .... واذا كان " تختخ " شخصية الرائع الاستاذ / محمود سالم .... اول من جعلك تنظر للناس وتقيمهم بناءا علي تفكيرهم وليس مظهرهم الخارجي .... فقد اتي د/ رفعت اسماعيل ليخطو خطوات ...ابعد وادق ... ليلفت نظرنا الي اهمية ذلك الشئ الموجود داخل جماجمنا والذي اهمل الكثير استعماله الا في جمع النقود ... كما ان هناك شيئا لذيذا في شخصية " رفعت اسماعيل " ... وهو انها شخصية ليست مثالية ... او لنقل انها ليست متناهية المثالية ... " فرفعت اسماعيل " يدخن .. وتلك اولي مثالبه ... ملول ...عصبي ... واعزب .... اي انه ليس سعيدا ككل ابطال القصص ... ولكنه متفاني في عمله .... لا يتأخر عن مساعدة اي شخص والتضحية بهدوئه النفسي والبدني من اجل ان يتمكن من مساعدة الغير وكأنما اراد د/ احمد خالد توفيق ...ان يشير من طرف خفي ..الي انه لايجب ان يكون الشخص ملاكا ليفكر تفكيرا صحيحا ... او ليخدم من حوله ... او ليتفاني في عمله .
اعترف ان السلسة لم تكن بذلك العمق في بداياتها ... ولكن اعترف ايضا انه لولا البدايات الموفقة لما استطاع ان يجذبنا نحوها .... وإنه ما ان اطمئن الي وجود جمهور عريض لها ... حتي بدأ يزيد من جرعة الثقافة و الافكار التنويرية بالسلسلة .... اتذكر علي الخصوص ... عدد الكاهن الاخير ... وكمية التسامح الفظيعة التي تشع من تعاليم " النفاراي " التي اخترعها الكاتب من بنات افكاره .... وكيف انها تشدك للتأمل في حقائق الحياة وطبيعة الاشياء .... النمر يفترس لانه مفترس ... النار تحرق لانها نارا ... الماء يطفئها لانه ماءا ....كلمات بسيطة ولكنها ذات مدلولات واسعة .
إن من يطالع كتابات احمد خالد توفيق في سلسة فانتازيا ... وكيفية رسمه للعلاقة شديدة التعقيد بين " عبير عبد الرحمن " وزوجها المهندس الوسيم المتأنق " شريف ابراهيم " وكيفية تعبيره عن مشاعرهما المتضاربة واحاسيسهما المختلفة ... لتجعلك تشعر بالحزن الشديد علي ان هذا الكاتب الرائع لم يختر مجال الكتابة الاجتماعية فهو صاحب قدرة بارعة علي الوصول الي المشاعر الفعلية للشخصية التي يرسمها ... وتحس وانت تقرأ ان هناك احساسا غامضا يضرب ذلك التجويف في صدرك ... يماثل ذلك الاحساس الذي يصنعه برد الشتاء الذي يذكرك بذكري متوارية في ثنايا عقلك ... وذلك لان الكتابة تلمس فيك وترا حساسا اجاد الكاتب في اقترابه منه وتصويره لك .... وكم وددت ان انقل ذلك الراي للدكتور / احمد خالد توفيق ... وهو انه بجانب اصداراته المتنوعة ... لماذا لا يلج الي مجال الكتابة الاجتماعية ...واقصد به ذلك النوع من الكتابة الذي يرصد حياة البشر في حياتهم العادية وتعقيداتها .... فمن متابعتي لسلاسله المتعددة اجد فيه قدرة فائقة علي التقاط ادق المشاعر لشخصياته ... ثم فصلها عن ما يحيط بها وتكبيرها وابرازها ...مع البحث عن خلفياتها ...كما يفعل الرسام الحاذق عندما يختار زاوية معينة في حديقة ليصورها بريشته ... وتطالعها ...منبهرا متسائلا عن من اين اتي بكل هذا الجمال ولماذا لم تنتبه له من قبل ؟ .
نتكلم عن " يوتوبيا " رواية د/ احمد خالد توفيق الاولي بعيدا عن الاصدارات المعروفة له ...إلا انني وجدت نفسي منجذبا لا اراديا الي تلك المقدمة التي لا توفيه حقه ... ولكنها ضرورية ... لتقييم الرواية ومعرفة ابعادها وخلفياتها ... – وانا هنا ساتحدث عن يوتوبيا التي تم نشرها علي حلقات مسلسلة بجريدة الدستور – وذلك لامران ... اولهما : انني لم اطالع رواية يوتوبيا والتي تم اصدارها مجمعة عن دار ميريت
ثانيهما : انني لااريد ان اثير غضب د/ احمد خالد بمسالة حقوق الملكية الفكرية .... فانا اعرف ان له رأيا متشددا في ذلك الامر قرأته بجريدة البديل ... و سنناقشة لاحقا .... ولكني الان ساعرض للرواية التي كانت متاحة للجميع ويستطيع الكل الرجوع لها في اللينك الذي سننشره والذي لا يخضع للملكية الفكرية حيث ان الجريدة متاحة للجميع.
.....يتبع ...