الجمعة، 3 أبريل 2009

يوتبيا .... عندما يسبق الواقع خيال المؤلف

د/احمد خالد توفيق ..... صعب جدا ان تجد شخصا في مرحلة الشباب لم يقرأ له ويعجب به .. ويرتبط ارتباطا شديدا بمتابعته ..... والسر طبعا معروف ... فهو احد اولئك الكتاب الذي لا يكف عن تعليمك شيئا جديدا كلما قراءت له ... وهو يفعل ذلك باسلوب جميل ...ساخر .... ويفتح عينيك علي عوالم ليست بعيدة عنك وتراها كل يوم ... ولكنه يعيد تقديمها لك بطريقة جديدة .... ويجعلك تري ما كان خافيا عنك .
كانت بداية تعرفنا عليه ...من خلال اصدارات المؤسسة العربية الحديثة ..... تلك المؤسسة الرائعة العظيمة ... التي وعلي مدار اكثر من ربع قرن تحملت ان تكون ... منارة لنشر قيم القراءة والثقافة بين الشباب .... وعذرا ...فالمؤسسة تحتاج لمقالات ومقالات لتوضيح دورها التنويري ... وليست فقرة في مجال العرض لكاتب رائع مثل احمد خالد توفيق ..... قلنا ان بداية التعرف عليه كانت من خلال المؤسسة العربية الحديثة .... واول ما يتبادر الي ذهنك عندما تعرف انه اختار ان يتعرفه القراء من خلال تلك النافذة ... انه فدائي التفكير ... انتحاري التنفيذ .... وذلك لانه في هذا الوقت ( والي الان ) كان هناك عملاقا اخر يستولي علي قلوب وعقول الشباب ... واقصد د/ نبيل فاروق ... والذي كانت سلاسله الرائعة واصدارته المتميزة مستولية علي اهتمام شباب القراء ... وكانت المرحلة التي اختار فيها د/ احمد خالد توفيق ...الدخول اعتي لحظات ارتباط القراء بسلاسل " رجل المستحيل , و ملف المستقبل " فقد كانت السلسلتان بلغتا قمة النضوج ... وصارتا مثل الفاكهة التي طابت وحان وقت قطافها ... وصار القارئ ينتظرها ليلتهمها التهاما .... ( اذكر ايامها انني كنت بالمرحلة الثانوية ... وانتم تعرفون ما تعنيه تلك المرحلة من الاستعداد المتواصل واللا منتهي للثانوية العامة .... ايامها كان حبي لرجل المستحيل بلغ مداه ايام معركتة مع بانشو سيلاز بالمكسيك ... ثم فقده للذاكرة ... وزواجه من افعي الموساد سونيا جراهام ... المهم كنت اشتري العدد ..ولا اطيق ان انتظر حتي وصولي للمنزل ... فاتصفحة وانا سائر بالطريق ... ثم اعدل عن ذلك ... واقول ...كلا سانتظر حتي وصولي للمنزل ...لأقراءه في طقوس القراءة الخاصة بي ... واربت عليه ..كما لو كنت امتلك شيئا ثمينا ...هذا والله فعلا ما كان يحدث )
وسط ذروة تألق اعداد رجل المستحيل و دخوله في مرحلة جذبت اهتمام شرائح جديدة من الشباب .... ( كانت امي – رحمها الله وطيب ثراها – تتسائل في دهشة.... لتجاريني انا واختي الاصغر سنا ...كيف تتزوج سونيا جراهام من ادهم ... وما هي اخر صراعات نور مع ابن الشيطان ) فعلي الجانب الاخر ....كانت يد د/ نبيل فاروق تخط اجمل اعدداد ملف المستقبل قاطبة .... وهي اعداد صراع فريق نور مع ابن الشيطان " بعلزبول الابن " ... ومن بعدها اعداد احتلال الارض ... والتي اظن انها كانت فتحا ... في السلسلة ... ولا اعلم للان لماذا اختار د/ نبيل فاروق ان يتخلص من شخصية " بعلزبول الابن " بسرعة فقد كانت تضفي نكهة خاصة علي السلسلة .
وسط ذلك التألق الغير عادي لسلسلتين رائعتين تصدران منذ اكثر من عشر سنوات ...فوجئنا ...بطبيب عجوز كهل ( وهو صديقنا الرائع د/ رفعت اسماعيل ) ...يقتحم علينا عالم اصدارات المؤسسة ( وطبعا تعرفون اني اتحدث عن سلسلة ماوراء الطبيعة ).... ونظرا لان المؤسسة كانت تحوذ ثقة الشباب المطلقة ...فقد اشتري الشباب الاصدار الجديد ...لتقييمه ... والحق اننا وجدنا شيئا جديدا في تلك السلسلة ( عفوا ... انا سانشر قريبا دراسة كاملة – إنشاء الله – عن اصدارات المؤسسة ) ... كانت هناك لغة جديدة ... وطريقة جديدة .... صحيح ان السلسة الجديدة كانت بدايتها باهتة ...إلا انها سرعان ما تخلصت بسرعة شديدة من مخاوف البدايات ... وتوهجت بشدة ... وساعد علي ذلك غزارة الانتاج ...ففي حين كانت اعداد ( رجل المستحيل – ملف المستقبل ) تصدر بعدد لا يتجاوز 6 اعداد في العام ... كان علي المقابل ... هناك كاتب عبقري ثرثار ... وجدناه القي في ايدينا اكثر من 10 اعداد ( او هذا ما خيل لي ) لبطله الذي تستعجب من اختياره بطلا من الاساس .... واذا كان " تختخ " شخصية الرائع الاستاذ / محمود سالم .... اول من جعلك تنظر للناس وتقيمهم بناءا علي تفكيرهم وليس مظهرهم الخارجي .... فقد اتي د/ رفعت اسماعيل ليخطو خطوات ...ابعد وادق ... ليلفت نظرنا الي اهمية ذلك الشئ الموجود داخل جماجمنا والذي اهمل الكثير استعماله الا في جمع النقود ... كما ان هناك شيئا لذيذا في شخصية " رفعت اسماعيل " ... وهو انها شخصية ليست مثالية ... او لنقل انها ليست متناهية المثالية ... " فرفعت اسماعيل " يدخن .. وتلك اولي مثالبه ... ملول ...عصبي ... واعزب .... اي انه ليس سعيدا ككل ابطال القصص ... ولكنه متفاني في عمله .... لا يتأخر عن مساعدة اي شخص والتضحية بهدوئه النفسي والبدني من اجل ان يتمكن من مساعدة الغير وكأنما اراد د/ احمد خالد توفيق ...ان يشير من طرف خفي ..الي انه لايجب ان يكون الشخص ملاكا ليفكر تفكيرا صحيحا ... او ليخدم من حوله ... او ليتفاني في عمله .
اعترف ان السلسة لم تكن بذلك العمق في بداياتها ... ولكن اعترف ايضا انه لولا البدايات الموفقة لما استطاع ان يجذبنا نحوها .... وإنه ما ان اطمئن الي وجود جمهور عريض لها ... حتي بدأ يزيد من جرعة الثقافة و الافكار التنويرية بالسلسلة .... اتذكر علي الخصوص ... عدد الكاهن الاخير ... وكمية التسامح الفظيعة التي تشع من تعاليم " النفاراي " التي اخترعها الكاتب من بنات افكاره .... وكيف انها تشدك للتأمل في حقائق الحياة وطبيعة الاشياء .... النمر يفترس لانه مفترس ... النار تحرق لانها نارا ... الماء يطفئها لانه ماءا ....كلمات بسيطة ولكنها ذات مدلولات واسعة .
إن من يطالع كتابات احمد خالد توفيق في سلسة فانتازيا ... وكيفية رسمه للعلاقة شديدة التعقيد بين " عبير عبد الرحمن " وزوجها المهندس الوسيم المتأنق " شريف ابراهيم " وكيفية تعبيره عن مشاعرهما المتضاربة واحاسيسهما المختلفة ... لتجعلك تشعر بالحزن الشديد علي ان هذا الكاتب الرائع لم يختر مجال الكتابة الاجتماعية فهو صاحب قدرة بارعة علي الوصول الي المشاعر الفعلية للشخصية التي يرسمها ... وتحس وانت تقرأ ان هناك احساسا غامضا يضرب ذلك التجويف في صدرك ... يماثل ذلك الاحساس الذي يصنعه برد الشتاء الذي يذكرك بذكري متوارية في ثنايا عقلك ... وذلك لان الكتابة تلمس فيك وترا حساسا اجاد الكاتب في اقترابه منه وتصويره لك .... وكم وددت ان انقل ذلك الراي للدكتور / احمد خالد توفيق ... وهو انه بجانب اصداراته المتنوعة ... لماذا لا يلج الي مجال الكتابة الاجتماعية ...واقصد به ذلك النوع من الكتابة الذي يرصد حياة البشر في حياتهم العادية وتعقيداتها .... فمن متابعتي لسلاسله المتعددة اجد فيه قدرة فائقة علي التقاط ادق المشاعر لشخصياته ... ثم فصلها عن ما يحيط بها وتكبيرها وابرازها ...مع البحث عن خلفياتها ...كما يفعل الرسام الحاذق عندما يختار زاوية معينة في حديقة ليصورها بريشته ... وتطالعها ...منبهرا متسائلا عن من اين اتي بكل هذا الجمال ولماذا لم تنتبه له من قبل ؟ .
نتكلم عن " يوتوبيا " رواية د/ احمد خالد توفيق الاولي بعيدا عن الاصدارات المعروفة له ...إلا انني وجدت نفسي منجذبا لا اراديا الي تلك المقدمة التي لا توفيه حقه ... ولكنها ضرورية ... لتقييم الرواية ومعرفة ابعادها وخلفياتها ... – وانا هنا ساتحدث عن يوتوبيا التي تم نشرها علي حلقات مسلسلة بجريدة الدستور – وذلك لامران ... اولهما : انني لم اطالع رواية يوتوبيا والتي تم اصدارها مجمعة عن دار ميريت
ثانيهما : انني لااريد ان اثير غضب د/ احمد خالد بمسالة حقوق الملكية الفكرية .... فانا اعرف ان له رأيا متشددا في ذلك الامر قرأته بجريدة البديل ... و سنناقشة لاحقا .... ولكني الان ساعرض للرواية التي كانت متاحة للجميع ويستطيع الكل الرجوع لها في اللينك الذي سننشره والذي لا يخضع للملكية الفكرية حيث ان الجريدة متاحة للجميع.
.....يتبع ...