الخميس، 2 يوليو 2009

اعراض .... اكتئابية ... !!!

كم هي الفترة التي يستطيع شخص ما ان يقضيها علي نفس الوتيرة من الحياة ؟ ... عام ... عاما ونصف العام ؟ ... عامان ؟ ... ام اكثر ؟ .. وهل كلما طالت المدة ...كان ذلك دليلا علي نجاحه ؟ ام فشله وهروبه من التغيير ؟ .. ام هو ضعف امام ظروف معينة ؟ ... هل الاجازة ترف لا يناله سوي القادر علي تحمل تبعاته ؟ .. ام هي فترة راحة اجبارية ... اذا ما اضاءت اللمبة الحمراء التي تنذر بسخونة المحرك .. وان الاصرار علي السير بعدها سيكون له عواقب وخيمة علي المحرك ؟ .. وهل من الشجاعة وانكار الذات الاستمرار في طريق يستنزف قواك النفسية والعصبية ؟ .. ام ان الشجاعة عكس ذلك ؟ ... المشكلة ان كل هذة الاسئلة اجبارية ... وفي نفس الوقت من خارج المنهج المقرر ... عندما كنا صغارا .. علمونا اشياءا كثيره منها " من جد وجد , ومن زرع حصد " ... " ومن طلب العلا سهر اليالي .." .. " والحياة كفاح مستمر .. " .. ولكنهم لم يحددوا لنا ماهو نوع الحصاد الذي تجنيه بعد زراعتك ... هل هو محصول وفير يجعلك في بحبوحة من الرزق ؟ ام هو محصول شحيح ... شح المطر في شهر " يوليو " ... يكاد بالكاد يكفيك المؤنة ؟ ... وايضا لم يجيبونا عن تلك الليالي التي نسهرها ... هل هي سهر السعيد المنتشي بعمله وابداعه ؟ ... ام هي سهر القلق المتوتر الذي يجهل ما الذي سوف تستقر عليه الامور في الغد ؟ ... ام سهر الذي جافاه النوم اعتراضا علي اوضاع قائمة وخانقة في نفس الوقت فاستحال ليله لعقاب يومي دوري له علي الدوام.
لا افضح سرا اذا اعلنت اني اعاني من اعراض اكتئابية فعلية في الاونة الاخيرة ... سئمت كل شئ ... ولم تعد بي رغبة في عمل اي شئ ...في البداية كنت اظنه نوع من " الدلع والرغبة في التدليل " الذي تطلبه النفس البشرية ... وكذا كنت احسبه عارضا نفسيا طارئا اصابني بعد فترة كانت تضج بالمشاكل المتوالية علي مستوي العمل - انقضت علي خير بحمد الله - ... ولكن العارض الطارئ لم يزول ... واستمر ... وفرض سيطرته .. واصبحت له السيادة ... واضحي يوما بعد يوم يقضم ارضية جديدة من اهتماماتي وافراحي الصغيرة ... كنت اعتقد انه سيصل الي نقطة التعادل ... فنتعادل في السيادة ... يفرض منطق اللامبالاة علي مساحة معينة من اهتماماتي ... واحتفظ انا بالمساحة الاخري متوهجة ومتقدة ... بالقدر الذي يعطيني القدرة والرغبة في الاستمرار .... ولكني كنت واهما.
لا اعلم بماذا اصف الاحداث التالية في حياتي ... هل هي ضعف ؟ ... ام استسلام للظروف ؟ ام واقعية شديدة تعلمت اتباعها ... بخبرتي المحدودة في الحياة ؟ ... ام هو ذكاء وهمي افترض ان التنازلات التكتيكية الصغيرة ... تصنع انجازات استراتيجية كبري ؟ ... لا اعلم .. ولكني اعلم علم اليقين .. انني اضطررت الي تغير قناعاتي .. وانا اوهم نفسي ان في ذلك طوق النجاة ... فاذا الطوق لا يصل بك الي شاطئ النجاة ولا قارب الانقاذ ... ولكنك تظل معلقا وعالقا فيه , كنت ايام دراستي في الكلية اسخر ممن يخرج ليعمل بوظيفة حكومية ... وكنت اقول ساخرا .. ان من يعمل في مجالنا في الحكومة ... اختار لنفسه صفة من اثنتين ... اما ان يكون " حراميا " او " شحاذا " .... فاذا بي بعد التخرج ... وبعد طرق عدة ابواب استقر في وظيفة " حكومية " ... و بفضل الله ورحمته هربت من الصفة الاولي ... وان لم يكن نجاحي باهرا في الهروب من الصفة الثانية.
كنت كذلك ارفض - علي المستوي الشخصي - فكرة السفر والغربة .. واقول ان الحياة حتي ولو بماديات بسيطة وسط من تحبهم وتألفهم ... بل ومن تتشاجر معهم ... لهي امتع من التغرب من اجل تكديس الاموال - وكأن من يتغرب يكدس اموالا - ... وكنت اصر انني وبعد ان يكرمني الله بالخروج من ظروف عائلية معينة كنت اعانيها ... سأفتتح مشروعا صغيرا بجانب وظيفتي الحكومية ... واتزوج واستقر ...وسط الجو الذي اعشقه بتفاصيله الصغري ... واشجانه الكبري ... وانني سأستقطع بعض سويعات لانتاجي الادبي الذي كنت اتمني ان يري النور , ... وها انا طبعا نفذت عكس ما كنت احلم به - وبنجاح منقطع النظير - فانخرطت في سفريتين متتاليتين ... الثانية منهما ...مازالت قائمة حتي الان .
حتي مع تسليمي بأن الظروف قد تضطر البعض للسفر ... كنت اصر علي عدم استمرار الشخص اكثر من مدة معينة في سفره ... وكنت استهجن من يستمر في الغربة بلا هدف ... وكان يتردد علي لساني دائما ان اولئك " سافروا وتغربوا " بلا هدف واضح ... وان الانسان يجب ان يكون له هدف واضح - غالبا اقتصادي - لابد وان يعود فورا بعد تحقيقه ... فالمدخرات يجب ان تستثمر في مشروع ما ... يوفر له دخلا ثابتا ... يمكنه من الاستقرار في وطنه , طبعا اريد ان اعفي نفسي من التحدث في نسبة نجاحي في تطبيق عكس ما كنت اقوله مرارا وتكرار - كالمعتاد - ولكن هو ايضا نجاح لا يقل عن سابقيه ...إن لم يكن يزيد بنسبة كبيرة عنهما.
عند بداية وصولي هنا .... وبعد صعوبات البداية المتوقعة ... وجدت نفسي تهدأ وتستقر ... بل انني كنت سعيدا بالجو الجديد ... - كنت خارجا قبلها من تجربة مريرة - ...طبعا كانت هناك صعوبات علي المستوي المادي ... فكانت هناك متطلبات معينة - في مصر -- يجب الايفاء بها ... والمكان الذي عملت به - ولسوء الحظ - كان يعاني من مشكلات مادية ومشكلات في السيولة ... وكان هذا هو التحدي الاول ... هل استمر رغم البدايات الغير مبشرة ؟ ام انسحب مكررا نفس التجربة المريرة السابقة .... كان الانسحاب ترفا .. استبعدته علي الفور .... ولكني عزمت بمجرد انتهاء المتطلبات الملتزم بها في مصر علي انهاء التجربة - كنت اعتقد ان ذلك سيتم في غضون 9 اشهر - .. ولكن رغم ذلك لا انكر انني كنت مرتاحا للاجواء ... بل انني شهدت تالقا علي مستوي الانتاج الادبي - وهو مقياسي الخاص علي الراحة النفسية - ... استمر الحال علي هذا المنوال لمدة عام .... راحة نفسية علي المستوي الشخصي وعلي المستوي المهني للعمل ... وصعوبات مادية عديدة ...علي مستوي الادارة في العمل ... ولكنها مضت رغم احساسي المضاعف بالوحدة .... ولكنها مضت علي اي حال .... انقضي العام الاول ... وبدات ظواهر حلحلة الموقف المادي السئ ... وتنفسنا الصعداء ...طبعا لا داعي ان اذكر ان العديد من زملائنا ... انسحبوا من مجال العمل ... مفضلين التضحية ببعض حقوقهم المادية في سبيل ذلك .... وما ان بدأت الامور المادية في التحسن .... حتي كانت سحب مشاكل علي المستوي المهني تتجمع منذرة بعواصف شديدة - لي شخصيا - ... وطبعا لم تكذب نشرة التوقعات ... وانقضت المشاكل بصواعقها وامطارها المنهمرة - والحمد لله - ... مشاكل وصراعات وضرب من تحت الحزام ..... وقتها بدأت احس ببعض التفتت في صلابتي النفسية ... وان كنت خضت هذة الصراعات بصلابة ورباطة جأش ... والحمد لله انتهت علي خير ... ولكني احسست ان هناك ثقبا قد حدث في سلامتي النفسية .... ولم تشأ الامور الشخصية ان تعطيني هدنة ... فانقضت علي هي الاخري بمشاكل عائلية ... ومشاكل علي مستوي علاقاتي المحدودة هنا ... ولكن المركب استطاعت ان تواصل رحلتها تحت وطأة المشاكل والمتطلبات الجديدة التي اصبحت مطالبا بها ... وان كان استقر بعض المرارة في حلقي اثناء قيادتي لتلك المركب.
لم تمضي سوي فترة اشهر تعد علي اقل من اصابع اليد الواحدة ... حتي وجدت نفسي مطالبا بمواجهة اخري في مجال العمل ... وهذة المرة اصعب واشد .. وكان علي الاختيار ما بين مبادئي وما ادندنه باستمرار من الواجب تجاه عدم التواطئ في التستر علي الفساد ... وما بين العلاقات الشخصية .... واخترت الاولي ... وهنا زلزلت الارض زلزالها ... وانفتحت علي ابواب جهنم ... كنت الجانب الاقوي ... والذي يسوق الحجة والبرهان ... ولكن ذلك ما جعل الاخرون يتحالفون ضدي ... بل حتي من كانوا بعيدين عن الموضوع ... رأوا انني قد اهددهم بعد حين ... فانحازوا للجانب الاخر ... ولولا فضل الله علي ورعايته لي في ان قيض لي من يثق ثقة تامة في ما سقته من ادلة لحدث مالم يحمد عقباه ... وخرجت بشبه انتصار من هذا الموضوع ايضا ... ولكنه ذلك الانتصار الذي يجعل الشخص يتصنع ابتسامة في وجهك ...وهو يلعنك بداخله ... هذا اذا كان معتدل الرؤي ... فهناك من اعلن عداوتي مصارحة ... بل اني صدمت في واحد من اقرب المقربين لي شخصيا ... - ولم تكن له ناقة ولا جمل .. بل ولا حتي حمل في الموضوع - فوجئت به يعاديني اشد العداوة بلا سبب مبرر بعد هذا الموضوع فقط لان احد المتورطين من محافظته .
خرجت من هذا الموضوع ... - رغم سعادتي الداخلية في اظهار الحق - خائر القوي النفسية ... اعصابي محطمة ... كنت افكر جديا بأن اترك الجمل بما حمل .. وانزل الي مصر ... كنت عصبيا لدرجة غير قابلة للتخيل ... وقد فقدت بضربة واحدة مركزة وشاملة اكثر من 95 % من دائرة معارفي الضيقة اساسا ... ولكن ايضا الامور في مصر لم تكن علي ما يرام ... فقررت تأجيل الموضوع الي ما بعد شهر رمضان الماضي حتي اري ما يلوح في الافق هناك في مصر.
لا اخفي سرا اذا قلت ان ذلك الموضوع كان القشة التي قصمت ظهر البعير ... انني كنت اتصنع القوة في مواجهة خصومي ... ولكني علي المستوي الشخصي كانت كل خلية تصرخ باعلي صوتها ... من صدمتها في كل ماجري ... وكنت اصرخ مواجها نفسي " انت غير مؤهل للغربة ... ولصرعاتها ... انفد بجلدك ..وعد الي مصر ... فقد خبرت الشر هناك وخبرك ... انت هناك كنت تهرب من مواجهة الفساد بطرق شتي ... وهم ايضا كانوا يبعدونك ... اما هنا فالمفسدون قلة منحرفة .... اذا واجهتهم انقلبت حياتك راسا علي عقب ... وان تخاذلت لا مبرر لك امام الله ثم امام نفسك ... عد الي مصر انت لم تعد تحتمل المزيد " ... وياليتني سمعت ندائي الداخلي .... ولكني تصنعت الصلابة ... وعدم الاهتمام ... واصررت علي المضي في طريق الاستبسال .
نقطة نظام .... بعد هذا الصدام اصبحت سائرا بفعل القصور الذاتي ... وكنت اشبه الوضع لصديق - يعتبر الوحيد الذي ظل علي الحياد - ان وضعي مثل جهاز المحمول الذي فرغت بطاريته او كادت ... فتطفئه وتعيد تشغيله ليعطيك ذلك دفقة متجددة من الطاقة ...ما تلبث ان تخفت بسرعة .... كنت حزمت امري علي عدم العودة الي مصر الا بنهاية عقدي تماما ... فلن اعود بعد كل تلك الظروف مضحيا بعدة الوف اخري في سبيل العودة .... كلا ساستمر مهما كلفني ذلك من طاقة وجهد .. ووطدت عزيمتي علي ذلك .
اعترف ان الامور من بعد ذلك الموضوع مضت هادئة - ولله الحمد - الا من الصعوبات العادية والدائمة علي المستوي المهني ... وان تفاقمت الامور المادية مرة اخري مع تداعيات الازمة المالية العالمية ... وانهيارات اسواق الاسهم هنا ... ولكن ذلك ليس هو المهم .... المهم في نظري ..ان كل يوما كان يمضي ... كان يسحب من اهتماماتي .. ورغبتي في الاشياء ... وكنت اجاري نفسي ... و اعلن لها باستمرار ... ان من الحكمة الانحناء بعض الوقت وعقد هدنة مع نفسك تسلم لها بانها لم تعد تستطيع المزيد حتي تعود لقواعدك سالما ... ولكن تلك الرغبة الشريرة لهذا العارض الطارئ - كما اسميته سابقا - كانت تتغلب باستمرار ... ولم يكن يرضيها باقل من ان ترفع راياتها كل يوم علي جزء اكبر من حياتي .
بديهي انني فقدت القدرة علي الانتاج الادبي منذ بداية التعرض المستمر للازمات ... ولكن كانت لي عادات اخري ..منها قراءة " جريدة الاهرام " ... سأمتها ايضا ... لم تعد تستهويني الرغبة في اعداد الاطعمة المختلفة والتفنن فيها - كانت احدي هواياتي - ... انشغلت فترة بكنز المدونات الذي انفتح امامي ... وحاولت واجتهدت .... ولكنها ايضا لم تكن اكثر من شاحن كاذب لا يطيل عمر بطارية المحمول ... وان اعطاك فترة قصيرة من التمتع بمزايا جهازك .... قمت بتحميل عدد كبير من الكتب ... قرأت بعضه باهتمام ... ولكنه اهتمام مثل اهتمامي الفاتر بعمل الواجب المدرسي في سنوات دراستي الاولي ... فقدت سعادتي الجمة بتدشين موقع جريدتي المفضلة " الدستور المصرية " علي شبكة الانترنت ... لم تعد اشياء صغيرة مثل فوز " الاهلي " تسعدني .. ولا مباريات الكرة تشحن بطاريات السعادة كما كانت تفعل سابقا ... طبعا اتصنع السعادة ... وادخل في مناقشات حول مستوي الاهلي والمنتخب ... ولكن ظاهريا ... اما داخليا انا اقول لنفسي - في نفس وقت المناقشة - " اخدعهم هم ... انا اعرف ان تلك حالة تقمص " .
كل هذة اشياء يمكن تحمل خسارتها ... في اثناء الحرب الضروس التي نخوضها مع ظروف الحياة مؤخرا .... ولكن هناك خسائر عظام يهالني مجرد التفكير في حدوثها .... وان كانت بشائرها تحققت .... فقدت ضعفت علاقاتي باصدقائي الاعزاء الذين تركتهم ورائي في مصر ... بفعل طول فترة الابتعاد .... كما بدأت علاقاتي العائلية في الاهتزاز والارتباك .... وبات يحكمها مبدأ الصريخ المتبادل ... فانا اري انني قد ضحيت باغلي ما املك - وقتي وسعادتي واستقراري - ... وهم يرون اني لا احس بالصعوبات المتوالية في مصر ...., بالاضافة الي سؤال مرعب بدأ يتسلل الي داخلي .... الي متي ؟ .... وما اخر هذا المشوار ؟ .... بالاضافة الي ان قناعاتي بدأت في التبدل ... وصارت.. اسئلة محرمة سابقا... مطروحة وبشدة ... مثل هل انت راغب فعلا في العودة والاستقرار في مصر ؟ وهل ما يعيقك هو الظروف المادية المرتبكة بشدة ؟ ان ان السفر والغربة اضحوا هدفا منشودا في حد ذاتهم ؟ ... اين موقعك وامنياتك القديمة بعمل مستقر ومستقل ... تديره كما تتمني ؟ ... وهل تخليت عن احلامك الادبية ؟ ... اذا كنت في وضعك هذا لا تستطيع القراءة من الاساس فضلا عن التذوق والانفعال ..... فأي اضغاث احلام ادبية تلك التي تراودك اذ استمررت علي نفس المنوال ؟
لا اعرف ما الذي دفعني لكتابة هذا الموضوع المطول .... ربما هي رغبة في الفضفضة ... وربما لاني مقدم من الان وحتي نهاية الاربعة الاشهر المقبلة - موعد انتهاء تعاقدي - علي ارتباك كبير في حياتي ... قد يجبرني اجبارا علي اعتزال التدوين بسبب بعض التنقلات الداخلية ... وتقريبا - هناك انباء شبه مؤكدة - انني ساقضي اخر 3 اشهر في مكان جديد ...., وربما هي الرغبة في التعذر لنفسي لواجبات تركتها ... واشياء كان ينبغي فعلها فهجرتها ... , وربما هي ناقوس خطر ادقه لنفسي منذرا ومحذرا من العواقب .... لا ادري .... فلست في حالة صفاء ذهني تسمح لي بالحكم الصائب ... ولكن كل ما اطلبه منكم هو الدعاء الصادق بان يلهمني الله للتصرف الصحيح في الوقت الصحيح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته