الخميس، 9 يوليو 2009

الحيـــــــاة السيــــاسيــــة في مصـــــر .... ( 1 ) المشهــــــد الــــراهــــن ( 1 من 3 )

تقديم

ترددت كثيرا قبل كتابة هذا الموضوع حيث استغرقني كثيرا في البحث وتحقيق المعلومات ... ولكن الفكرة كانت تلح علي تفكيري رغبة في تقديم شئ قد يستفيد منه البعض ... سواء علي مستوي المعلومة ... او علي مستوي اتخاذ القرار ... لذا ادعو اي شخص قام بقراءة هذا الموضوع واعجب به ان يشارك برأيه .. ولا يكتفي فقط بالقرأة الصامتة ... مع العلم بأن " حقوق النشر ليست محفوظة " فقط مع الاشارة للمصدر ... وهو مدونتي المتواضعة ... وشكرا مقدما .
--------

مع اشتداد الحديث عن احتمالات حل مجلس الشعب وتنظيم انتخابات برلمانية جديدة و تليها انتخابات رئاسية في مصر ... اصبح الوضع بمصر مفتوحا وبشدة علي احتمالات كثر ... وهذا الموضوع محاولة لوضع تصور " ما " عن احتمالات الحل والخروج من المأزق الراهن بحل يتفق مع النظام الدستور والسياسي لمصر ... ويحقق اكبر استفادة للمواطن المصري الذي يجب ان يكون في عقول الجميع اثناء بحثهم واستشرافهم للحلول الممكنة .... ولكن قبل الدخول في طروحات الحل ... يلزم اولا : شرح المشهد الراهن من الحياة السياسية المصرية - وهو ما سيتم تناوله في هذا " البوست " والذي يليه - ... ثم ثانيا: ما هي سيناريوهات التأزيم التي قد تنتج عن المعاندة في اللجوء الي حلول ... واخيرا ... الحل كما قد تصورته من وجهة نظري .
ونبدأ بشرح الواقع السياسي لمصر
تعتمد مصر نظاما في الحكم ( حسب الدستور ) ... يعتبر خليطا ما بين النظام الرئاسي والبرلماني ... فرئيس الجمهورية لا يحاسب امام المجلس التشريعي .. وهو الذي يسمي رئيس مجلس الوزراء ... كما في النظم الرئاسية ... ولكن الحكومة تختار و تؤلف من الحزب ذو الاغلبية في البرلمان ... كما يملك البرلمان حجب الثقة عن الوزراء كما في النظم البرلمانية .... ويعتبر نظام الحكم الفرنسي هو الاقرب الي نظام الحكم المصري ... مع الاختلاف الكبير والواضح طبعا في طريقة تنفيذ كلا من النظامين لنفس طريقة الحكم .
و لتوضيح المشهد السياسي يلزم تناول اللاعبون الرئيسيون في المشهد ... واعتبر ان التقسيم الفرنسي للتيارات السياسية هو الذي يستطيع استيعاب وتوضيح اتجاهات الاحزاب السياسية في مصر وهو التقسيم الذي ينقسم الي : - ( يمين - يمين وسط - وسط - يسار وسط - يسار ) ويمكنك اذا شئت ان تضيف الي هذا التقسيم ... يمين متطرف .. ويسار متطرف ... وهو ما سنحاول تطبيقه علي الاحزاب في حالة مصر .

اليمــــــين المتطــــــرف
لا يعتبر هناك تيار سياسي - شرعي او غير شرعي - يعبر عن هذا التيار في مصر ... وإن كان يمكن ان يعتبر ان التيار موجود علي الساحة ... صحيح انه وجود ضئيل ... ولكنه موجود علي كل الاحوال ... حيث يمكن اعتبار بعض الجماعات الدينية الراديكالية - التي لم تقم بالمراجعات - ممثلة لهذا التيار ....كما يمكن اعتبار بعض قيادات اقباط المهجر التي تهاجم الدين الاسلامي – عبر الفضائيات - ممثلة ايضا لهذا التيار ... خلاصة القول هو تيار لا يوجود تمثيل سياسي له ... ولكن موجود بالشارع.

اليمــــــــــــين
يعتبر هذا التيار هو الاشد زخما والاكثر استقطابا بين التيارات السياسية في مصر .... والملفت بالنظر ان احد اهم اللاعبين بهذا التيار ... يفتقد للشرعية الدستورية و القانونية ... ولكن ذلك لم يحد من قدرته علي الانتشار والتوسع ... والعمل المنظم .... و يضم هذا التيار جماعة " الاخوان المسلمون " كلاعب رئيسي بهذا التيار ... كما يوجد ايضا " حزب الوسط " ... وان كان يبتعد بعض خطوات من " الاخوان " تجاه يمين الوسط ... كما توجد بعض المحاولات لتأسيس حزب يكون معبرا عن الجماعات الاسلامية بعد ان قامت بالمراجعات الفكرية الشهيرة ... وان كانت تلك المحاولات لم تنل حظا واسعا من الشهرة ... بالاضافة طبعا الي " حزب العمل " المجمد حاليا... و اليكم اعضاء هذا التيار بشئ من التفصيل :-
  • جماعة الاخوان المسلمون :- تعتبر الجماعة اكبر الجماعات المعارضة في المشهد السياسي الحالي بدليل حصولها علي ثاني عدد مقاعد – 88 مقعدا - في الانتخابات البرلمانية الاخيرة " عام 2005 "... والمفارقة ... ان الجماعة تعتبر " محظورة " حسب التصنيف القانوني والحكومي لها ... ولكنها رغم ذلك تحتفظ لنفسها بتقسيم شديد الانضباط والصرامة ..من حيث تقسيم الكوادر ... والملاحظ ان الجماعة لم تتضرر من كونها جماعة " محظورة " ... بل بالعكس قد تكون استفادت من هذا الحظر ... و لا تتعجب ... فسأوضح كيف تم ذلك .

    اي تشكيل سياسي مصدر قوته ليس في الاعضاء الذين ينتمون اليه ... ولكن في المؤيدين لتوجه هذا التشكيل السياسي ... بمعني ان من يرجحون كفة هذا الحزب او ذاك في اي انتخابات برلمانية كانت ام رئاسية او حتي محلية ... ليسوا اعضاء الحزب فحسب ... بل هم من يستطيع هذا الحزب او ذاك باقناعهم بافكاره ...وسياساته ... وهذا هو سر قوة الاخوان المسلمون ... في المتعاطفين .... وعندما تقسم الجماعة المنتمون لها ... او المؤيدون لها تقسمهم علي النحو الاتي : " منتظم - منتسب - مؤيد - متعاطف " ... و الدرجة الرابعة هي سر قوة الاخوان في الشارع السياسي المصري , ولعل سر تعاطف قطاع كبير من المصريين مع الجماعة هو الاضطهاد الذي تلاقيه الجماعة والمطاردات الامنية الواسعة التي تجابهها باعتبارها جماعة " محظورة " .

    نقاط الضعف :- إلا انه رغم ذلك الحضور الكبير للجماعة ...الا انها ليست حزب سياسي بالمعني المفهوم والمتعارف عليه ... وتلك نقطة الضعف الكبيرة ... فهم مثلا يكتفون بشعار " الاسلام هو الحل " ... الذي يستقطب قطاعا عريضا من الجماهير ... بدون ان تكون لهم برامج واضحة في مجالات الصحة والتعليم ... والاعلام ..والاقتصاد ... وكلما طرحت واحدة من تلك القضايا ... انشغلوا بالرد علي التضييق الحكومي المفروض عليهم - وهو واقع فعلا - ولكنهم لم يقدموا برامج متكاملة كما تفعل الاحزاب في الديموقراطيات العريقة .... حتي بفرض وجود مثل تلك البرامج ... فهي غير متيسرة للعامة .
    بالإضافة الي عدم وجود برنامج حزبي واضح للاخوان يمكن الرجوع اليه ومحاسبتهم علي تحقيقه من عدمه , تواجه الجماعة اربع تحديات ضخمة في سبيل اعتبارهم كحزب سياسي " شرعي " وتلك التحديات هي " الدستور – المرأة – الاقباط – الاقتصاد " ... فالاخوان ... لا يخفون رغبتهم في تعديل الدستور في حالة وصولهم الي الحكم ... حيث يريدون وضع بعض الضوابط علي الترشح للرئاسة تستثني المرأة والاقباط .... وهذة هي احد اشد المعضلات التي يستخدمها خصومهم في الطعن فيهم ... فانت عندما تصل للحكم " في حال وصولك " ينبغي ان تحترم القواعد التي اتت بك لهذا الحكم ... لا ان تضع قواعد اخري تحول دون وصول الاخرين لنفس المكان.

    اما الغريب حقا فهو ان الاخوان و الحزب الحاكم ... الذين فرقت بينهم السياسة وجعلتهم علي طرفي النقيض .... قد جمعهم الاقتصاد ... فهم يتفقون مع الحكومة " الحالية " في الاتفاق علي اقتصاديات السوق ... بل ويسبغون عليها صبغة دينية .... بضرب امثال من صحابة النبي - صلي الله عليه وسلم - كانوا يتميزون بالثراء الواسع ...., بل ان الكثير من اقطاب الحركة هم من رجال الاعمال . ولعل هذا يضفي شيئا من الطرافة ... فالصراع علي الحكم في مصر التي يقبع اكثر من 40% من سكانها تحت خط الفقر ... بين تيارين كلاهما يمثل جناح اليمين في الاقتصاد ... ولله في خلقه شئون .

  • حزب الوسط :- لو كان احد يتميز بالذكاء والخبث السياسي في النظام السياسي الحاكم ... لوافق فورا علي قيام هذا الحزب ... الذي قام بتأسيسه مجموعة من كوادر جماعة الاخوان ... لم يعجبهم سير الامور داخل الكيان الكبير للجماعة التائهة بين دورها الديني والدعوي والسياسي والاجتماعي... فانشقوا معلنين رغبتهم في تأسيس حزب سياسي يمارسون من خلاله السياسة كما يفهمها معظم اللاعبون في ذلك الميدان .
    السبب الذي كان من اجله ينبغي السماح لهذا الحزب هو انك امام محاولة لحزب " شرعي ودستوري " تماما ... ببرنامج عمل ... واعضاء ...اي ان كل شئ تحت النور ويمكن لاي شخص الاطلاع علي كيفية سير العمل ومصادر التمويل ... حيث لا وجود لفزاعات مثل " تنظيم عالمي " او " السمع والطاعة " او خلافه ... فهو حزب " مدني " تماما ... يضم بين اعضائه المؤسسيين " اقباطا " و" سيدات " ... فما الضير ان يتم السماح لهم بتأسيس حزب , هل لان بعض اعضائه كانوا منتمين " للاخوان " .. فما المشكلة في ذلك ..ان بعض اقطاب الحزب الحاكم انفسهم كانوا اعضاءا في " الاتحاد الاشتراكي " الذي يعادي فكرة الاحزاب تماما ... فمن وجهة نظري لا يوجد سبب وجيه للرفض ولكنه الغباء السياسي ومبدأ الرفض من اجل الرفض فقط .
    الحزب يمثل اتجاه اليمين في السياسة والاقتصاد ... فهو ايضا يؤيد " سياسات السوق " في مجال الاقتصاد ... ولكن مع بعض العدالة في توزيع الثروات ... وتنويه بدور مصر العروبي والافريقي .
    مشكلة الحزب الرئيسية هو ان البعض مازال ينظر له بارتياب علي اعتبار انه خرج من عباءة " الاخوان " ..كما ان " الاخوان " انفسهم يناصبونه العداء ... فوقع الحزب بين المطرقة والسندان .. حسب رأي احد الاعضاء المؤسسين للحزب ....هذا علي مستوي النخبة .... اما علي مستوي المشاركة الشعبية ... فالحزب لم ينل الشرعية القانونية حتي يستطيع التحرك بين فئات الشعب ... وإن كان سيواجه صعوبات جمة في حال اختلاطه بالجماهير ...نظرا لان البعض سينظر له علي اساس انه الصورة المنسوخة من " الاخوان " فلماذا يلجئون للصورة " المدنية " ما دام الأصل " الديني " حاضر وفعال ؟ .

  • حزب العمل : - اعتقد ان حزب العمل " المجمد " يمكن ان يعتبر سابقة فريدة من نوعها في عالم السياسة ... فلأول مرة يتم تغيير التيار السياسي الذي ينتمي له حزب " ما " الي التيار المقابل ... فحزب العمل الذي ولد " يساريا " في اواسط السبعينيات مع بداية التجربة الحزبية الثانية في مصر ... تحول الي اتجاه اليمين في اواسط الثمانينيات في مؤتمر عام للحزب شهد تولي " عادل حسين " - رحمه الله - منصب الامين العام للحزب ... طبعا دخل الحزب في صراعات مريرة مع الحكومة بسبب مواقفه من حرب الخليج عام 91 وبسبب هجومه علي امين عام الحزب الحاكم – انذاك – " د/ يوسف والي " ... انتهت بالسيناريو المفضل للتخلص من الاحزاب ... بادعاء الفنان " حمدي احمد " حصوله علي اغلبية داخل الجمعية العمومية تؤهله لرئاسة الحزب مما نتج عنه تجميد العمل داخل الحزب.
    كبقية الاحزاب التي تدخل في صراع شرس مع الحكومة ... يغطي غبارهذة المعارك علي الكثير من برامج الحزب ... كان دور حزب العمل مختزلا فقط في جريدة " الشعب " ... والتي حازت بعضا من اهتمام العامة نظرا لشراسة هجومها علي الحكومة ... الا ان تكرار الحديث وعدم وضوح الهدف من هذا الهجوم ... ودخوله – في بعض الاحيان – الي نواحي " شخصية " ساهم في انفضاض هذا الاهتمام .رغم عدم حصولي علي معلومات واضحة لبرامج الحزب إلا ان البرامج كانت تدور حول برنامج عمل اسلامي يساهم في عودة دور مصر الكبير العروبي والإسلامي في كافة المجالات

---------

يميــــــــــن الــــــــــوســـط

اذا كان تيار " اليمين " هو الاشد زخما من الناحية الشعبية والتنظيرية سواءا من المؤيدين او المعارضين علي حد السواء .... فيعد " يمين الوسط " هو الاشد زخما بعدد الاحزاب " الفعالة " .... وتلك مفارقة اخري تنفرد بها مصر ... ففي الوقت الذي تشهد فيه دول العالم بشقيه " المتقدم و الثالث " حركات تنادي بالعدالة الاجتماعية وتوفير التأمين الصحي واعانات ضد البطالة ... في اعقاب الانتصار الكاسح " للرأسمالية " في حقبة التسعينات ... وما تولد عن ذلك من سيادة اقتصاديات السوق علي مستوي العالم مما نتج عنه بعض الاثار الاجتماعية التي طالت قطاعا عريضا من الشعوب ... ولعل نماذج مثل " حزب العمال في انجلترا – الديموقراطيين في امريكا – الحزب الاشتراكي في المانيا ومشاركته في ائتلاف حاكم بعد فتره من انفراده بالحكم بواسطة شرويدر - دي سيلفا في البرازيل – ومعظم دول امريكا الجنوبية " ليعطيك فكرة عن الامور تسير في مصر عكس بقية دول العالم ... فقد شهدنا طفرة في الاحزاب ذات توجه " يمين الوسط " في حين كان الشعار السائد في العالم هو " يسار الوسط " .
هذا التيار يضم حزب" الوفد " و حزب " الغد " و حزب " الجبهة الديموقراطية " وسنتناول كل حزب بشئ من التفصيل :-

  • حزب الوفد :- احد اعرق الاحزاب في تاريخ السياسة المصرية ... بل لا نعد متجاوزين اذا زعمنا انه الاب الشرعي للاحزاب السياسية في مصر ... فتاريخه في السياسة المصرية قبل الثورة معلوم للجميع ... وكان هو حزب الاغلبية عن حق ... وللتدليل علي المكانة الكبيرة التي كان يتمتع بها كانت تتردد مقولة " لو رشح الوفد حجرا .. لانتخبناه " .
    اعيد تأسيس الحزب في عام 78 ... وكالمعتاد واجهته صعوبات في بداية التأسيس ... وتمت الموافقة عليه بحكم المحكمة بعد اضافة كلمة " الجديد " لمسمي الحزب .
    احد اهم نقاط القوة للحزب " والضعف عند البعض " ان الحزب تشكل بقيادة الاخوين " سراج الدين " – رحمهم الله - ... فكانا احد الوجوه القوية و المؤثرة من عصر " بشوات " ما قبل الثورة .... ودخل الحزب في تحالف " تكتيكي " مع جماعة الاخوان في انتخابات 84 وحققا معا نتائج جيدة بحصولهم علي " 40 " مقعدا في مجلس الشعب ... الذي شهد سقوط خصمهم " الايدلوجي " حزب " التجمع " بعدم حصوله علي النسبة الكافية لدخول المجلس .
    للاسف لم يستغل الحزب هذا النجاح " المؤثر " في توسيع قاعدته الشعبية ... كما لم يستغل جريدته " الوفد " التي كانت صحيفة المعارضة " الرئيسية " في هذا الوقت ..... حيث انشغلوا في الهجوم علي ثورة يوليو ... وكانوا يصرون علي تسميتها " انقلاب يوليو " ... ناسين او متناسين ان هناك كثيرين من المصريين يدينون للكثير مما هم فيه لهذة الثورة او " الانقلاب " كما كان يحلوا لهم تسميتها.
    كعادة الاحزاب في مصر تنشغل بمعارك النخبة ... وتنسي ان هناك قطاعا كبيرا من الجماهير لا تهمه معارك " النخبويين " في شئ , واعتقد ان القيادة في حزب الوفد ... كانت مازالت اسيرة لعصر ما قبل الثورة ...حيث كانت الجماهير ليست في حاجة الي برنامج حزبي ...ولا زيارات و مؤتمرات ... فكانت ما ان تسمع بزيارة احد زعماء الوفد حتي تخرج " بالالوف " لتحية " زعيم الامة "
    ظل الحزب يراوح مكانة حتي الانتخابات الرئاسية في عام 2005 عندما انتزع " د/ أيمن نور " المركز الثاني في تلك الانتخابات ...محققا اصوات تفوق بـ " 3 " مرات تقريبا ما حصل عليه " د/ نعمان جمعة " ... لينتفض الوفديون علي واحدا من اكبر الكوابيس ... انهم لم يعودوا في المركز الاول لاحزاب المعارضة ..كما كانوا يتصورون في احلامهم الوردية .... ولكنها للاسف كانت انتفاضة علي طريقة " الدبة التي قتلت صاحبها " فدخل الحزب في معارك وصراعات اتت علي المتبقي من الحزب العريق ... ليتخلي طواعية عن دوره كأحد اكبر الاحزاب المعارضة في مصر ... ويدخل في بيت الطاعة الحكومي ..حيث ذابت شخصيته المستقلة ...ليصبح بتبنيه نفس التوجه الاقتصادي للحكومة ... وتطابق الرؤي في – معظم – السياسات الخارجية مع الحكومة ...كجناح معارض داخل الحزب الحاكم ... وليس كحزب معارضة رئيسي في اللعبة السياسية في مصر .
    التوجه الاقتصادي : يتبني الحزب منذ بداية ظهوره ... اقتصاديات السوق والانفتاح الاقتصادي الكامل... وقت ان كانت تلك السياسات منبوذة من الحكومة ... وكان هذا ما يسوغ كونه معارضا .... اما الان ومع توجه الحزب الحاكم نحو اقتصاديات السوق تماما ... فلم يعد امام الحزب سوي ان يخالف الحكومة مطالبا ببعض العدالة للفئات المنهكة من الشعب .

  • حزب الغد :- لثاني مرة يولد حزب كنتيجة لانشقاق راقي داخل احد الاحزاب ... فالشاب – انذاك – " ايمن نور " الذي احتج علي طريقة سير الامور داخل حزب الوفد ... لم يحاول القفز علي منصب رئيس الحزب " كما يفعل البعض " ... ولكنه تقدم باستقالته من الحزب ... وسعي لتكوين حزب اخر كما يحدث في الديمقراطيات العريقة والراسخة .... وكان يمكن لهذا الحزب ان يكون له وقع كبير في الحياة الحزبية في مصر .... فقد توفرت له عدة عوامل تحتاجها الاحزاب في بداية تكوينها مثل : كاريزما مؤسس الحزب , وكونه وجه مقبول اعلاميا , واهتمامه بالقواعد الشعبية الحزبية , ورشاقة القضايا التي يختار التركيز عليها .
    إلا انه عوامل القوة للحزب الوليد يبدو انها قد استثارت بعض دوائر الحكم ... ففوجئ الجميع بقضية تتناول زعيم الحزب الذي لم يمض علي الموافقة علي تاسيسه سوي ايام قليلة .... , ويبدوا ان تلك الدوائر كانت علي علم بما سيجري في غضون شهور قلائل ... طبعا لا يمكن لاحد ان ينفي او يثبت صحة التهمة ... فهناك حكم قضائي بات في هذا الموضوع ... ولكن ايضا ما احيط بتلك القضية يجعل من المشروع احاطتها بكثير من التساؤلات الغير مفهومة.
    تخطي الحزب بداياته المتعثرة ... ودخل في معترك الانتخابات الرئاسية في عام 2005 ليجوب زعيم الحزب ومرشحه " د/ أيمن نور " في مصر من شمالها لجنوبها ... ومن شرقها لغربها ... ليفاجئ الناس بشئ غريب عليهم ولم يجربوه منذ سنوات عديدة ...فها هو وجه معروف اعلاميا ... وسياسيا .... يقتحم عليهم مدنهم وقراهم .... بل نجوعهم وكفورهم ... ليظهر لهم بصحبة زوجته ويخاطبهم مباشرة ... وليس عبر الاذاعة او التلفزيون كما تعودوا .... فكان هذا الظهور مما استقطب عددا كبيرا من الشباب لينخرطوا في الحملة الدعائية لحزب " الغد " .... ولكن هذا الظهور المكثف وبالاضافة الي لهجته " الحادة " في انتقاد الاوضاع ... عجل بالانتقام منه ومن حزبه " الوليد " في اعقاب الانتخابات مباشرة .
    فقد فوجئ الجميع غداة الانتخابات الرئاسية... بأن الحزب الذي حظي مرشحه بالمرتبه الثانية في الانتخابات الرئاسية ... متخطيا واحد من اعرق واكبر احزاب المعارضة في مصر ... فوجئ الجميع بهذا الحزب يعزل رئيسه الذي ساهم في – ولا نقول حقق – هذا النجاح .... ليدخل الحزب في معركة صارت شبه محفوظة ومكررة حول التنازع علي رئاسة الحزب .. بل والحزب ذاته .... ثم تأتي الضربة القاصمة بالحكم علي مؤسس الحزب بالسجن " 5" سنوات في اواخر عام 2005 .
    مشكلة الحزب – كما كانت نقطة قوته في البداية – في ارتباطه بمؤسسه " د/ ايمن نور " ... فبعد اختفائه من الساحة لم يستطع الحزب تقديم شخصية " كاريزمية " تستطيع ملء الفراغ الذي تركه " نور " ... صحيح ان زوجته السيدة/ جميلة اسماعيل .... حاولت ولكن انشغالها بقضية الإفراج عن زوجها حال دون وصول جهدها الي الجماهير ... كما ان "الاتهامات"... التي ساقتها قيادات الصف الثالث والرايع من الحزب الحاكم اثناء الانتخابات الرئاسية حول ان حزب " الغد " يرتبط بعلاقات مع " الولايات المتحدة " .. ساهمت في خفوت التأييد له في الاوساط الشعبية ... حيث يكره الشعب كل ما يمت للولايات المتحدة بصلة ... رغم ان الموقف السياسي الرسمي يعتبرها احد الدول الصديقة
    الحزب انشغل بمعاركه الداخلية ... وترك القاعدة الشعبية والزخم الشبابي الذي اكتسبه اثناء معركة انتخابات الرئاسة يذهب ادراج الرياح .... لتخسر مصر مرة اخري احدي التجارب التي كان من الممكن ان تكون واعدة " للغاية " في الحياة الحزبية.
    التوجه الاقتصادي :- كان غريبا ان يدعو قادة احد الاحزاب الليبرالية الي تخصيص اعانة بطالة – ابان الانتخابات الرئاسية – والي اسقاط ديون المزارعين لبنك التنمية الزراعي .... فالحزب الذي كان يقدم نفسه حزب " ليبرالي " وعضو في حركة الاحزاب الليبرالية العالمية ... انحاز ناحية اليسار في معرض تقديمه للحلول للوضع الاقتصادي في مصر

  • حزب الجبهة الديموقراطية :- حزب ولد نخبويا منذ اللحظة الاولي لولادته ... فهو رغم تميزه من ناحية الاسماء الكبيرة التي فكرت في تأسيسه مثل " د/ اسامة الغزالي حرب – د/ يحيي الجمل – د/ عبد عزيز حجازي " وغيرهم كثيرون .... إلا ان الحزب ولد داخل الغرف المغلقة ... صحيح ان الاسماء التي طرحته ذات تجربة واسعة النطاق في العمل السياسي ... إلا انه عند تفكيرهم في تأسيس حزب ... اختاروا البديل " الشيك " والاكثر " جاهزية " .. وهو حزب يعتمد علي الاسامي الرنانة لمؤسسيه ... بغير اي محاولة لتأسيس قواعد جماهيرية للحزب قبل التفكير في طرح فكرة الحزب ... كما ان الحزب – مع خالص التقدير لكل الاعضاء المؤسسين – لم يكن ذو توجه معين يجعله صاحب بريق في التجربة الحزبية ..... ولعل هذا هو سبب الموافقة الحكومية علي تأسيسه واشهاره بمنتهي السرعة وبدون العراقيل المعتادة .
    فهمت الحكومة اللعبة مبكرا ... انتم تحتاجون لحزب من اجل الظهور الاعلامي ... والمطالبة باصلاحات ... اذن فتفضلوا " علي الرحب والسعة " ... واعطوهم حزبا ... بعد ان تأكدوا من حمله لذات الفيروس المتسبب في الاجهاض المتكرر للتجارب الحزبية السابقة ... وهو انضمام " بعض " الاشخاص للحزب وعينهم علي موقع الرجل الاول ... ولا يرضون عنه بديلا .
    مشكلة " معظم " قيادات الاحزاب في مصر ... وحزب " الجبهة الديموقراطية " علي رأسها ... انهم يتحدثون كثيرا في الاعلام ... منتظرين ان يثير حديثهم اعجاب الملايين ... فينتفضون للبحث عن مكان الحزب ... ويقبلون فرادي وجماعات ...من اسقاع مصر المختلفة ... متحدين جميع الصعوبات " فكرية – امنية - مادية " .... ليقوموا بمظاهرة حاشدة امام مقر الحزب بالقاهرة ... يطالبون بالانضمام للحزب .... لتكون المشكلة الوحيدة امام الاعضاء المؤسسين ...هي كيف يقومون بتوفير استمارات عضوية لهذا العدد الضخم من الاعضاء .
    طبعا هذا من غير الممكن تحقيقه ولا حتي في الاحلام الوردية ... اما علي مستوي الواقع العملي ... فلا يوجد احد من قيادات حزب " الجبهة الديموقراطية " لديه الاستعداد ليجوب مصر من صعيدها لدلتاها ... ومن عريشها ... لسلومها ... عرضا لخط الحزب السياسي ... او بحثا عن اعضاء جدد بالحزب .... ولماذا هذا العناء ... مادامت الفضائيات تتهافت عليهم ليدلوا بدلوهم في قضايا خطيرة ... مثل " التمويل الاجنبي للاحزاب – الفرق بين نظام التمثيل النسبي و الفردي داخل البرلمان " ... ليصولوا ويجولوا في احاديث لا تهم سوي اقل من 1% من الشعب المصري ... المنشغل بقضايا اقل اهمية مثل : ارتفاع تكلفة المعيشة ...و البطالة الخانقة ... واضمحلال مستوي التعليم الحكومي ... والتحديات التي يفرضها تدهور القطاع الطبي الحكومي من لجوء الفردي العادي للقطاع الطبي الخاص .
    رغم ظهور الحزب بالغرف المغلقة ...إلا انه لم يسلم من الافات المصاحبة لظهور الاحزاب عامة في مصر .... ليصبح التنازع علي زعامة الاحزاب " سلو بلدنا حزبيا " حيث شهد الحزب حالة صراع " محدود " علي رئاسة الحزب بين " د/ اسامة الغزالي حرب " و " السيد/ محمد انور عصمت السادات " ... خرج علي اثرها د/ يحيي الجمل ليهدد باستقالته من الحزب في حال عدم حل الصراع وديا .
    الحزب كان من الممكن ان يكون " رقما " متميزا و جديدا بين الاحزاب في مصر فقط لو اهتم افراده بتوصيل صوتهم للقاعدة الجماهيرية للشعب ... ولكنهم اختاروا ان يبقوا في برجهم العاجي المرتفع ... منعزلين عن الوقود الحقيقي لاي تجربة حزبية ناجعة

التوجه الاقتصادي :- لا تكاد تلحظ تغييرا يذكر بين هذا الحزب وبقية الاحزاب الاخري في التوجه الاقتصادي فهو يسير علي نفس النسق من تأييد واسع لاقتصاديات السوق والانفتاح الاقتصادي والملكية الفردية ...مع بعض الكلام المكرر عن البعد الاجتماعي الواجب توافره اثناء تطبيق تلك السياسات .

يتبـــــــــــع