الجمعة، 24 يوليو 2009

ثــــــورة يـــــــوليـــــــو ليــــــــست انقلابــــــــا ... والحكومـــــة عنــــــدما يصيبــــــــــها " لطــــــــــف"

تذكرت نقاشاتي الكثيرة مع والدي - رحمه الله - بخصوص ثورة يوليو اليوم ... وانا اطالع اكثر من مدونة تطلق اسم " انقلاب عسكري " علي ثورة يوليو ...., انا لست ناصريا ... ولكن والدي - رحمه الله - كان ناصريا حتي النخاع ... وكثيرا ما كنت اتناقش معه ...مغتاظا من حبه الجارف للرئيس " جمال عبد الناصر " ... وكنت اقول له ان " جمال عبد الناصر " هو من ارسي مبادئ الحكم الدكتاتوري ليس في مصر فحسب ... ولكن في الوطن العربي ككل ... وان اسرائيل التي تكونت ككيان سرطاني في جسم الوطن العربي قبل اربع سنوات فقط من قيام الثورة ... وصلت لتفوقها علي العرب جميعا ... لان قادتها - الصهاينة - المؤسسسون وضعوا نظاما ديموقراطيا لتداول الحكم ... في حين تسلط علي مصر والعرب عينة من الحكام الذين اذا جلس الواحد منهم علي كرسي الحكم لا يريد ان يتركه ... ابدا , وكان والدي - رحمه الله - يرد عليَ بانني احكم علي " جمال عبد الناصر " الان وبعد ما يزيد عن الاربعين عاما - انذاك - ... وانني لو عاصرت وقت الثورة ... لالتمست له العذر كما فعل هو - والدي - .... كان والدي لا ينكر اخطاء " عبد الناصر " ... ولكنه كان يعزوها الي من حوله ... وكان يردد دائما ان " عبد الناصر " بث في المصريين روحا جديدة ... وانه - عبد الناصر - هو من تحدي الاستعمار قائلا مقولته الشهيرة " علي الاستعمار ان يأخذ عصاه ويرحل " .
تذكرت ذلك كله اليوم ... ودعوت بالرحمه والمغفرة لابي ...و احسست كم كان صادقا في حديثه ... فمعظم من يتحدث عن الثورة ... يتحدث عنها ويقيمها بمقاييس الحاضر ... في حين ان الاحداث تقاس بمقاييس الوقت الذي حدثت به ... وساضرب مثالا علي ذلك .... الثورة الفرنسية حدثت عام 1779 .... والفرنسيون مازالوا يحتفلون بها الي الان ... ولا يفتأون ان يأكدوا ان شعار الثورة " الاخاء - الحرية - المساواة " هو من فتح باب التقدم لا لفرنسا فحسب ... بل لاوروبا جمعاء .... في حين ان من يقرأ بعض ما ذكره المؤرخون عن تلك الثورة ... لرأي انها من اكثر الثورات دموية ...في العصر الحديث ... وان الذين قاموا بتلك الثورة ... كانوا لا يتورعون عن اعدام من يشكون - مجرد شك - في انه من مؤيدي العصر الملكي .... ولكن الفرنسيون .... لا يذكرون ذلك ... بل يعتبرونه كان شيئا طبيعيا في سياق الاحداث التي سبقت الثورة ... ان ذلك لا يعني تبرؤهم من ثورة عظيمة كتلك غيرت وجه التاريخ .
طبعا معشر شباب المدونين ... معذورون فيما ذهبوا اليه ... فحتي الان - وللاسف - لا يوجد لدينا من يسرد التاريخ بصورة محايدة ... فانت اما ان تجد من يدافع عن الثورة ... وعبد الناصر ...كما لو كان عبد الناصر ...قديسا ... او نبيا لا يأتيه الباطل من بين يديه ... ولا من خلفه ... , واما من تجد من يخسف به وبالثورة سابع ارض ... فكأنه - عبد الناصر - شيطان رجيم هو سبب كل ما اصاب مصر من مصائب وكوارث ..... وكلا الفريقين مخطئ اشد الخطأ في تقييمه وعرضه للامور.
ان توصيف " ثورة يوليو " بانها " انقلابا عسكريا " ... ادعاء عاري تماما من الصحة ... فثورة يوليو ... و إن بدأها الظباط الاحرار ... بصورة عسكرية .... إلا ان جماهير و جموع الشعب ... لم تلبث بأن التحمت بالثورة ... و فارت مشاعر التأييد والمباركة من كل فئات وطوائف الشعب .... وما مظاهر الحب الجارف التي كانت تواجه مجلس قيادة الثورة ... عند زياراته المختلفة ... إلا دليلا واضحا علي " شعبية " الثورة ... تماما ... فالناس تعلقت بهؤلاء ... الذين جاؤا من وسط عموم الشعب ... ليقوموا بثورتهم من اجل الشعب .... حتي عندما وقع الخلاف " الشهير " في مجلس قيادة الثورة في عام 54 ... الذي تم علي اثره عزل رئيس الجمهورية الرئيس / محمد نجيب ... لم يؤثر ذلك علي مدي شعبية ... الثورة لدي فئات الشعب ..... ثم جاء تأميم قناة السويس عام 56 و العدوان الثلاثي في العام ذاته ... ليمحي اي اثر للشك في مدي الشعبية الجارفة والتأييد االلامتناهي من الشعب للثورة ... وللرئيس جمال عبد الناصر.
الغريب ان من يتصدي للكتابة ومهاجمة الثورة - من المدونين - معظمهم او كلهم من ابناء الطبقة الوسطي ... تلك الطبقة التي تدين بالفضل للثورة في جميع ما تحقق لها امتيازات ... ومكانة اجتماعية ... والتي لا اظن ... ولا اعتقد ان مراقبا محايدا يستطيع ان يزعم ... ان تلك المكاسب كان سيمكن تحقيقها لهذا القطاع العريض من الشعب لو لم تقم ثورة يوليو ... ولولا الخطوات الواسعة التي اتخذتها من اجل نهضة ...وتكوين طبقة وسطي في مصر ... التي لم تكن تعرف سوي مجتمع "0.5% " قبل قيام ثورة يوليو .
ما اريد قوله ... ان الشباب - ما بين 20 و 30 عاما - لا يعرفون عن الثورة ... سوي ما يسمعونه في الاعلام .. وما يشاهدونه في الافلام ... فاستقر في وجدانهم ... ان الثورة ... تعني تضييق الحريات ... الاستيلاء علي اموال الناس ... وتأميمها ... ومطاردة التيارات المعارضة ... القاء " الاخوان المسلمون " في غياهب الزنازين .... وان " عبد الناصر " ... شخص سادي ...كان يستمتع بتعذيب المعتقلين في المعتقلات ... وانه هو السبب في نكسة 67 ... بسبب عدم حسابه لمقاييس القوي الصحيحة ... وانه انهك مصر عسكريا واقتصاديا في مغامرات غير محسوبة ...مثل حرب اليمن ... وانه دخل في عدوات كثيرة مع قوي كبري " انجلترا - فرنسا - امريكا " بسبب مواقفه التصادمية ... وخطواته الغير محسوبة .
ولكن يغيب عن هؤلاء ... ان " عبد الناصر " ايضا يعني ... السد العالي ... الذي حمي مصر من الجفاف في سنوات الثمانينيات ... والذي حماها ايضا من فيضانات مدمرة في التسعينيات ... وينسون ان عبد الناصر ... كان سببا في اتساع الرقعة الزراعية ... وتنويع المحاصيل الزراعية ... ينسون المشاريع العملاقة ... مثل مصانع " الحديد والصلب " ... ومصانع " الغزل والنسج " .... يتغاضون عن المشاريع الطموحة ... لصنع جميع الاجهزة داخل مصر ... من " ثلاجات - تلفزيونات - بل وحتي سيارات " ....و يسقط منهم سهوا ان كل بيتا في ستينات وسبيعنات القرن الماضي ... لم يكن يخلو من تلفزيون " نصر " و ثلاجة " ايديال " ... وكان حلم كل شخص ... ان يشتري سيارة " نصر " بالتقسيط ..... ينسون الكثافة التي حدثت في الالتحاق بالجامعات .... ينسون الخطط الخمسية الطموحة ... ومعدلات النمو الكبيرة - قبل عام 67 - ... ولا يتذكرون يوم ان كان كل خريج جامعة ... يعرف تماما مستقبله ... ويستطيع ان يتخرج ليتزوج ... ويستقر ... يتجاهلون قوانين الاصلاح الزراعي ... التي اعادت للفلاح المصري ...حقوقه التي ظلت مسلوبه منه لقرون وقرون.
ما اريد قوله ... ان يتم تقييم الامور في سياقها ... بدون استقطاب ..ولا تحامل ... " فعبد الناصر " ... الذي اجهض حلم الديموقراطية الذي يحلم به البعض - ولهم كل الحق في ذلك - ... هو ايضا من اضطر لعمل " استبدال للمعاش " ليستطيع تحمل نفقات زواج ابنته الكبري " هدي " ... ومات وهو مازال يسدد هذا الاستبدال ... وكان اول قرار للرئيس " انور السادات " هو اعفاء ورثته من سداد باقي المبلغ .
في النهاية ... يمثل " عبد الناصر " حالة فريدة تاريخيا ... فمن المؤكد انه كان سينجح باكتساح في اي انتخابات ديموقراطية ... شفافة كانت ستجري .... فلماذا اختار حكم الفرد ... وخنق الحياة السياسبية في مصر ... لا اعلم ... ولكن اعتقد ... انه كان يحس ان لديه توكيل ...من الشعب ... ليصلح لهذا الشعب احواله ... فلذلك لم يهتم بمثل هذة الامور التي كان يعتقد انها غير مهمة ... مادام يعمل لمصلحة الشعب ... وياليته اهتم.
***
الحكومة عندما يصيبها " لطف "
عندنا في الصعيد ... عندما يصاب احد الاشخاص ... باعراض " ذهانية " فيفقد السيطرة علي افعاله ... فيهاجم الناس بدون مبرر ... او يحتد عليهم بدون سبب ... ويكلم اشخاصا غير موجودين الا في نظره هو ... يخبط الناس كفا بكف ... ويقولون ... " لا حول ولا قوة الا بالله " ... فلان اصابه " لطف " ... يعنون انه كان يمر بظروف صعبة ... لم يحتمل ان يواجهها ... فجاء الجنون ... ليكون " لطفا " من الاقدار بحاله .
وهذا ما ينطبق تماما علي حال حكومتنا " الذكية " ... فيبدو ان الظروف الصعبة التي تمر بها البلد ... قد جعلتهم يعانون من ضغوطا عصبية .. " رهيبة " انتهت بحالة " اللطف " التي اصابتهم ... , فإذا لم تتفق معي ... فبالله عليك بماذا تفسر ... اعتقال 3 مدونين دفعة واحدة في يومين متتاليين .... سوي انه " لطفا " اصاب الحكومة المسكينة ... فلا نستطيع سوي ان ندعوا لها بالشفاء العاجل ...وان نرجوا الله ونتضرع اليه ... اما ان يشفي حكومتنا " التي كانت ذكية " ... ويعيد لها رشدها ... واما ان نصاب نحن ايضا " باللطف " ... فنري افعالها ...كما تراها هي ... افعالا في غاية الرزانة .... والحنكة .... اللهم ما اشفي حكومتنا ... ونجها من " اللطف " الذي اصابها ... انك انت القادر علي ذلك .... السلام عليكم ... وتصبحوا علي خير .